السويداء: خطاب الشيخ الهجري يدعو لـ"تقرير المصير" ويشعل جدلاً حول الحماية والانقسام والمخاطر القانونية


هذا الخبر بعنوان "السويداء بين خطاب "تقرير المصير" والتحذيرات من الانقسام والمخاطر القانونية" نشر أولاً على موقع hashtagsyria.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ١٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أثار خطاب الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، الذي تناول أوضاع "جبل الباشان" وطرح خيار "تقرير المصير"، نقاشاً واسعاً داخل محافظة السويداء وخارجها. تباينت القراءات بشكل حاد بين من يرى في الخطاب محاولة لحماية مجتمع يتعرض لانتهاكات جسيمة، وبين من يحذّر من تداعيات داخلية وقانونية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام وعدم الاستقرار.
في كلمة مصوّرة وجهها إلى أبناء طائفته مع اقتراب نهاية العام، قدم الشيخ حكمت الهجري قراءة متشائمة للمرحلة التي تلت سقوط النظام السابق. اعتبر الهجري أن التحولات السياسية لم تنعكس إيجاباً على واقع السوريين، بل رافقتها – بحسب وصفه – موجة جديدة من الانتهاكات، نفذتها فصائل مسلحة ذات طابع متشدد شاركت في إدارة المرحلة الانتقالية.
وأشار الهجري إلى أن هذه الانتهاكات شملت القتل والتهجير وتدمير القرى ومنع الأهالي من العودة إلى منازلهم، لأسباب وصفها بالأمنية والسياسية. وأكد أن ما شهدته المنطقة خلال ما عُرف بـ"أحداث تموز" شكّل ذروة هذا المسار، حيث سقط مدنيون، وأُحرقت منازل، وسُرقت مصادر رزق، إلى جانب تسجيل حالات خطف وتغييب قسري، مضيفاً أن بعض الضحايا ما زالوا دون دفن نتيجة منع الوصول إلى قراهم.
في هذا السياق، اعتبر الهجري أن ما تعرض له أبناء "جبل الباشان" يرقى إلى محاولات استهداف وجودي. وصرح بأن المجتمع المحلي اضطر للدفاع عن الأرض والعِرض في ظل غياب الحماية، وهو ما دفع، وفق تعبيره، إلى البحث عن صيغة إدارة مستقلة تضمن الأمن والسلم الأهلي، وتستند إلى إرادة الأهالي. وأكد أن هذا التوجه يستند إلى ما وصفه بقواعد القانون الدولي المتعلقة بحق تقرير المصير.
على الصعيد الداخلي، شدد الهجري على ضرورة توحيد الصف وتعزيز الثقة بالقيادة، محذّراً من الانجرار إلى الخلافات الجانبية، أو حملات التخوين والانتقام، في ظل استمرار القصف والحصار وحالات الخطف. وأكد أن معالجة أي أخطاء أو تجاوزات يجب أن تتم حصراً عبر مؤسسات مختصة، لا عبر الأفراد أو المبادرات الشخصية.
كما أعلن رفض الرئاسة الروحية لأي ممارسات خارجة عن القانون داخل المجتمع، بما في ذلك السرقة، والاتجار بالمساعدات، والرشوة، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. واعتبر أن من يستغل معاناة الناس أو يسعى لإثارة الفتنة لا يقل خطورة عن الجماعات المتطرفة، وشدد على أن المحاسبة مسؤولية القضاء وحده.
وتطرق الهجري إلى ما وصفه بحالات "خذلان" من داخل المجتمع، مشيراً إلى إحالة المتورطين إلى الجهات القضائية، ومؤكداً عدم التساهل مع أي جهة يثبت تورطها في سفك الدماء أو التعاون مع مجموعات مسلحة.
على المستوى الوطني، أدان الهجري تصاعد خطاب التحريض الطائفي واستهداف الأقليات، مستنكراً الاعتداءات التي طالت علويين ومسيحيين في حمص والساحل، إضافة إلى الهجمات المستمرة على مناطق سيطرة "قسد". وحذّر من أن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تعميق دائرة العنف وعدم الاستقرار.
وطالب المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الانتهاكات، مؤكداً دعمه لحقوق الأكراد، ومثمّناً مواقف مجتمعية في الساحل رافضة للظلم. كما خصّ أبناء "جبل الباشان" في الاغتراب بإشادة خاصة، معتبراً إياهم سنداً أساسياً لأهلهم في الداخل، ومؤكداً متابعته لما يتعرضون له في بلدان الإقامة، وواصفاً إياهم بصوت المجتمع في الخارج.
وفي سياق متصل، وجّه تحية لقوات "الحرس الوطني" والأمن الداخلي، مثنياً على ما وصفه بالانضباط والتنظيم الطوعي، ومعتبراً إياها ركناً أساسياً في حماية المنطقة. كما شدد على أن المسيحيين المقيمين في "جبل الباشان" جزء أصيل من نسيجه الاجتماعي، مؤكداً احترام جميع المكونات الملتزمة بالسلم الأهلي.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، أشار الهجري إلى متابعة الرئاسة الروحية لتحركات الدول المعنية بملفات حقوق الإنسان وتطبيق القرارات الدولية، معرباً عن تقديره للدول التي أبدت تفهماً لما تعرضت له المنطقة. وأكد الاستمرار في العمل لاستعادة القرى، والكشف عن مصير المخطوفين، والسعي لتحويل "الباشان" إلى منطقة استقرار ونمو بإدارة مستقلة وقرار حر، ضمن محيط إقليمي يسوده السلام.
في قراءة نقدية للخطاب، رأى الصحفي حازم داعل أن نبرة القوة والحسم التي حملتها كلمة الهجري لم تعكس بالضرورة حالة ثقة، بل كشفت – من وجهة نظره – عن قلق داخلي متزايد. واعتبر أن التركيز المكثف على عبارات من قبيل "توحيد التوجه" و"الإيمان بالقيادة" و"عدم المزاودة" يوحي بمحاولة ضبط التماسك الداخلي أكثر مما يدل على إجماع راسخ.
وأشار داعل إلى أن إبقاء مفهوم "الخيانة" دون تعريف سياسي أو قانوني واضح يجعله قابلاً للتوسع، ما قد يحول أي رأي مخالف أو نقاش داخلي إلى تهمة. وحذّر من أن هذا النوع من الخطاب قد يفضي إلى تبرير ممارسات قمعية بحق المختلفين.
كما لفت إلى أن توصيف بعض الأفراد بأنهم "غير جديرين بالانتماء" لا يحمل بعداً أخلاقياً فحسب، بل يشكل – بحسب رأيه – سحباً رمزياً للهوية، وهو أسلوب معروف في المجتمعات المغلقة حين تواجه القيادة مخاطر انقسام داخلي أو بروز مرجعيات موازية.
من جهته، قدم الناشط الحقوقي المعتصم الكيلاني قراءة قانونية معاكسة، معتبراً أن الدعوات إلى استقلال السويداء أو مخاطبة الأمم المتحدة بوصفها كياناً مستقلاً تفتقر إلى أي أساس قانوني. وأوضح أن القانون الدولي لا يعترف بإعلان دولة من طرف واحد داخل دولة ذات سيادة، وأن مبدأ سلامة الأراضي، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، يمنع اقتطاع أجزاء من دولة قائمة دون مسار قانوني شامل ومعترف به دولياً.
وأضاف الكيلاني أن حق تقرير المصير، وفق القانون الدولي، يركز أساساً على أبعاده الداخلية، مثل المشاركة السياسية والحكم المحلي، ولا يبرر الانفصال إلا في حالات استثنائية نادرة مرتبطة بالاستعمار أو الاضطهاد الممنهج، وهي شروط قال إنها لا تنطبق على حالة السويداء.
كما حذّر من الحديث عن تشكيل قوى قادرة على الدفاع خارج إطار الدولة، مؤكداً أن احتكار استخدام القوة هو حق حصري للدولة، وأن تجارب المنطقة أثبتت أن تعدد الميليشيات يؤدي إلى الفوضى والتفكك ويفتح الباب أمام الوصاية الخارجية.
وأشار الكيلاني أيضاً إلى أن مجلس الأمن ليس هيئة يمكن "الانضمام" إليها، وأن العضوية تقتصر على الدول المعترف بها في الأمم المتحدة، مؤكداً أن أي قرار مصيري يخص السويداء يجب أن يُتخذ عبر تفويض شعبي واضح وآليات دستورية، لا عبر خطابات فردية أو مرجعيات دينية، التي لا تملك، بحسب قوله، ولاية سياسية سيادية.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة