جريمة شرف في درعا: مقتل شاب وفتاة يجدد الجدل حول الإفلات من العقاب وحقوق المرأة


هذا الخبر بعنوان "جريمة قتل بذريعة “الشرف”.. انتهاك جديد لحق النساء في الحياة" نشر أولاً على موقع snacksyrian وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهد ريف محافظة درعا الغربي جريمة قتل مروعة، حيث لقي شاب وفتاة حتفهما على يد ذوي الفتاة، بذريعة ما يُعرف بـ"الشرف". ووفقاً للمعلومات التي نشرتها منصة "درعا 24"، تم دفن الفتاة فوراً بعد مقتلها، دون الإعلان عن الحادثة أو إقامة بيت عزاء، كما أفادت صفحات محلية و"سناك سوري-درعا".
تُعيد هذه الحادثة فتح ملف جرائم القتل التي تُرتكب خارج الأطر القانونية وتُبرر باتهامات أخلاقية، بعيداً عن أي مسار قضائي أو تحقيق رسمي. وتثير الواقعة تساؤلات متكررة حول آليات المحاسبة ودور الجهات المعنية في التصدي لمثل هذه الجرائم.
إن وصف هذه الحوادث بـ"جريمة شرف" يمنح القتل طابعاً تبريرياً، ويُخرجه عن سياقه الحقيقي كجريمة قتل وعنف قائم على النوع الاجتماعي. فـ"الشرف" في هذا السياق لا يُعد توصيفاً قانونياً، بل يُستخدم كذريعة اجتماعية توفر غطاءً أخلاقياً للجناة، وتحوّل الضحية من إنسان له حق الحياة إلى موضع اتهام، دون أي إجراءات تحقيق أو إثبات.
في كثير من الأحيان، لا تُعامل هذه الجرائم كقضايا عامة تستوجب المساءلة القانونية، بل تُصنف كـ"شأن عائلي" يُحسم خارج نطاق القضاء. هذا الواقع يكرس نمطاً متكرراً من الإفلات من العقاب، ويُعيد إنتاج العنف ضد النساء كـ"ممارسة مقبولة" أو "مفهومة اجتماعياً"، بدلاً من اعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون.
ماذا يقول القانون؟
على الرغم من إلغاء نص المادة 548 من قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 بموجب القانون رقم 2 لعام 2020، فإن جرائم القتل المرتكبة بذريعة "الشرف" أو "غسل العار" لا تزال تتكرر. يعود ذلك إلى استمرار ثقافة تبرير العنف ضد النساء، وضعف أدوات الردع القانونية والقضائية. كانت المادة الملغاة سابقاً تعفي القاتل من العقوبة إذا فاجأ زوجته أو إحدى قريباته في "حالة الزنا المشهود"، ثم عُدلت لاحقاً لمنح عذر مخفف بدلاً من الإعفاء الكامل، قبل أن يُلغى النص نهائياً. وقد ساهم تطبيق هذه المادة لعقود في ترسيخ بيئة تسمح بالإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء.
استناداً إلى المادة 51 من الإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس 2025، لا تزال القوانين السورية نافذة. تُصنف الجرائم المذكورة قانونياً إما كجرائم قتل "عمداً" إذا تمت بتخطيط مسبق، أو "قصداً" إذا وقع فعل القتل وليد اللحظة، وذلك وفقاً للمواد من 533 حتى 535 من قانون العقوبات السوري. وتشدد الفقرة الثالثة من المادة 535 على أن القتل العمد المرتكب بحق أحد الأصول أو الفروع يُعاقب عليه بالإعدام، مما يعكس إدراك المشرّع لخطورة هذه الجرائم. ورغم معارضة منظمة "سوريون" لعقوبة الإعدام كـ"انتهاك للحق في الحياة"، يؤكد هذا النص القانوني على ضرورة إخضاع مرتكبي هذه الأفعال لأقصى العقوبات القانونية المتاحة.
في المقابل، لا يزال قانون العقوبات السوري يتيح منفذاً خطيراً لتخفيف العقوبة في هذه الجرائم عبر المادة 192، التي تسمح بمنح عذر مخفف عند توافر ما يُعرف بـ"الدافع الشريف". وقد عرّفت محكمة النقض هذا الدافع بأنه "عاطفة نفسية جامحة تسوق الفاعل إلى ارتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه". هذا التعريف الغامض والواسع يمنح القضاء هامشاً كبيراً للتقدير، مما قد يضفي شرعية ضمنية على أعمال العنف والانتقام المرتكبة باسم "الشرف"، وفقاً لتقرير منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة".
على الصعيد الدولي، تُعد هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً للحق في الحياة، كما هو منصوص عليه في المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تشكل هذه الجرائم شكلاً من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، المحظور بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تُلزم الدول الأطراف، ومنها سوريا، باتخاذ تدابير تشريعية وعملية للقضاء على هذا العنف وضمان تمتع المرأة بحقوقها على قدم المساواة مع الرجل.
تتعارض هذه الجرائم أيضاً مع إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993، الذي أكد على ضرورة حماية النساء من العنف، وضمان حقهن في الحياة والكرامة والمساواة.
جريمة درعا: فجوة بين القانون والتطبيق
في ضوء هذا الإطار القانوني، تُبرز حادثة مقتل الشاب والفتاة في ريف درعا الغربي مثالاً جديداً على الفجوة القائمة بين النصوص القانونية وتطبيقها الفعلي. فبالرغم من تصنيف هذه الجرائم قانونياً كجرائم قتل تستوجب المساءلة، إلا أنها تُنفذ في كثير من الحالات خارج أي مسار قضائي، وتُحسم اجتماعياً تحت ذريعة "الشرف". هذا الواقع يُفرغ القوانين من مضمونها الرادع، ويُحوّل القتل إلى ممارسة تُدار داخل الأسرة بعيداً عن سلطة القضاء.
في هذا السياق، تؤكد جهات حقوقية على ضرورة التعامل مع جرائم القتل المرتكبة بذريعة "الشرف" كجرائم قتل كاملة الأركان، تستوجب التحقيق والملاحقة القضائية دون أي اعتبارات اجتماعية أو أعذار مخففة. وتشدد هذه الجهات على أهمية فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في هذه القضايا، وضمان عدم تسويتها خارج الإطار القانوني، بما يكفل حق الضحايا في العدالة ويمنع الإفلات من العقاب.
كما تطالب الجهات الحقوقية بإعادة النظر في النصوص القانونية التي لا تزال تتيح تخفيف العقوبات تحت مسميات فضفاضة، مثل "الدافع الشريف"، لما تحمله من خطر تطبيع العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتدعو إلى تعزيز دور القضاء في إنفاذ القوانين القائمة، وتكريس مبدأ أن القتل جريمة عامة لا يمكن التعامل معها كشأن عائلي. وتؤكد المطالب الحقوقية أيضاً على ضرورة اتخاذ تدابير تشريعية ومؤسساتية لحماية النساء من العنف، وضمان حقهن في الحياة والكرامة، بما يتوافق مع الالتزامات القانونية الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي