ممثلون سوريون يقتحمون عالم الكتابة الدرامية: دوافع إبداعية أم تحديات مهنية؟


هذا الخبر بعنوان "فنانون سوريون يكتبون للدراما.. تثبيت حضور أم ملء فراغ" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يشهد الوسط الفني السوري خلال السنوات الأخيرة ظاهرة متنامية تتمثل في اتجاه عدد من الممثلين إلى خوض غمار كتابة المسلسلات، في خطوة تعكس تحولًا في أدوار الفنانين ورغبتهم في التأثير بعمق أكبر في صناعة الدراما، ليس فقط من خلال الأداء التمثيلي، بل من وراء الكاميرا أيضًا.
تجسد هذا التحول مؤخرًا بإعلان الفنانة نسرين طافش عن تجربتها الأولى في التأليف من خلال المسلسل المصري "أنا وهو وهم"، المقرر عرضه في الموسم الرمضاني المقبل. كما كشفت الفنانة رنا شميس عن عملها على كتابة مسلسل "المليئية" للعرض في الموسم ذاته. تنضم هاتان الفنانتان بذلك إلى قائمة من الأسماء التي سبقتهما في هذه التجربة، مثل أمل عرفة، طلال مارديني، يامن الحجلي، وإياد أبو الشامات، ما يؤشر إلى اتساع نطاق هذه الظاهرة ضمن الدراما السورية.
لا يبدو هذا التوجه وليد المصادفة، بل يستند إلى خبرة تراكمية اكتسبها الممثلون عبر سنوات من التعامل المباشر مع النصوص والشخصيات المختلفة، ما يمنحهم فهمًا أعمق للبناء الدرامي وتعقيدات الشخصيات وإيقاع الحوار. هذه الخلفية العملية تجعل انتقالهم إلى الكتابة خطوة طبيعية، سواء بدافع التعبير الإبداعي أو في إطار البحث عن حضور مستمر وفرص أوسع داخل صناعة الدراما.
يشرح الناقد الفني عامر عامر، في حديثه إلى عنب بلدي، أن دوافع توجه الممثلين السوريين إلى عالم الكتابة متشابكة ومتنوعة، ولا يمكن اختزالها في سبب واحد. يؤكد عامر على وجود دافع إبداعي حقيقي، فبعض الفنانين يمتلكون رغبة قديمة في السرد وصناعة الحكاية، ويشعرون بأن التمثيل وحده لا يلبي طموحهم التعبيري.
ويضيف عامر: "لن نغفل دافعًا مهمًا سببه تراجع فرص التمثيل وتقلبات السوق". فبعض الممثلين، خاصة من الصف الثاني أو ممن تراجعت نجوميتهم، "وجدوا في الكتابة وسيلة للبقاء داخل الصناعة، أو لخلق فرصة عمل لأنفسهم". كما أن الكتابة قد تمنح الفنان سلطة إضافية في اختيار الموضوع، ورسم الشخصية، وتحديد موقعه داخل العمل.
من جانبه، يرى الكاتب الدرامي (السيناريست) فادي حسين أنه لا يمكن اختزال الدوافع بسبب واحد. فبعض الفنانين دخلوا الكتابة بدافع فني خالص، نتيجة تراكم الخبرة والاحتكاك الطويل بالنصوص والشخصيات والمخرجين، ما ولّد لديهم رغبة طبيعية في التعبير من موقع آخر، مثل الفنانة أمل عرفة التي نجحت في التمثيل والكتابة، بحسب تعبيره.
في المقابل، لا يمكن إنكار أن تراجع فرص التمثيل، وتقلّص الإنتاج، واحتكار الأدوار، دفعت بعض الفنانين للبحث عن مسارات موازية تضمن استمرارية حضورهم المهني، بحسب حسين. لكنه يحذر من أن الدافع الاقتصادي أو المهني وحده لا يكفي لإنجاح تجربة الكتابة، فالكتابة ليست ملاذًا اضطراريًا، بل حقل إبداعي له أدواته وشروطه، ومن لا يدخل إليه بوعي فني حقيقي، غالبًا ما يتعثر.
يرى نقاد أن دخول الممثلين إلى مجال التأليف يحمل جوانب إيجابية، أبرزها تقديم شخصيات أكثر عمقًا وواقعية، نابعة من تجربة أدائية حقيقية، إضافة إلى فهم أفضل لاحتياجات الممثل في أثناء التصوير، ما ينعكس على جودة العمل النهائي.
اتفق "السيناريست" فادي حسين والناقد الفني عامر عامر على أن التمثيل يمنح ميزة نسبية في فهم البعد النفسي للشخصيات، وإيقاع الحوار، وما يمكن أن يُؤدّى أو لا يُؤدّى أمام الكاميرا. فالممثل يعرف من الداخل أين يتنفس المشهد وأين يختنق، ويختبر الإحساس العملي بالإيقاع والحوار، والوعي بالأداء. لكن هذه الميزة لا تتحول تلقائيًا إلى نص درامي متماسك، فالكتابة لا تتوقف عند بناء الشخصية، بل تشمل بنية السرد، وتطور الصراع، وإدارة الزمن، وتعدد الخطوط الدرامية.
لذلك، انعكس هذا التوجه إيجابًا في بعض التجارب التي احترمت أدوات الكتابة، وسلبيًا تجلى في ظهور الخلل لدى بعض الفنانين الكتاب، إذ تتحول النصوص إلى مشاهد طويلة بلا تطور، أو حوارات نفسية مكررة، وشخصيات تبرر نفسها أكثر مما تتصارع، بحسب حسين وعامر.
يثير هذا التوجه جدلًا داخل الوسط الفني، إذ يعتقد بعض المختصين أن الكتابة الدرامية مهنة مستقلة تتطلب أدوات مختلفة عن التمثيل، محذرين من أن الاعتماد على الشهرة وحدها قد يؤدي إلى نصوص ضعيفة إذا لم تكن مدعومة بخبرة حقيقية ودراسة معمقة.
تدور كثير من الانتقادات حول اتهام بعض الفنانين بالاستسهال، واعتبار الكتابة مهنة بديلة لا خيارًا معرفيًا، والتشكيك في أحقية غير المتخصصين بدخول المجال، وفق ما قاله الناقد الفني عامر عامر. وبرر أن هذه الانتقادات مشروعة حين يُنتج نص ضعيف، لكنّه يُنفذ فقط بسبب شهرة صاحبه، وبالتالي يتمّ تهميش كتاب محترفين لمصلحة أسماء معروفة، وهذا وقع فعلًا.
أما "السيناريست" فادي حسين، فاعتبر أن جزءًا من هذه الانتقادات مشروع، خاصة حين يتعلق بجودة النص أو باختصار سنوات من التراكم المهني في تجربة سريعة مدفوعة بالشهرة، مشددًا على أن "الكتابة مهنة قائمة بذاتها، ومن حق كتاب السيناريو الدفاع عن معاييرها". لكن جزءًا آخر من الانتقادات يتقاطع مع مخاوف حقيقية من تراجع فرص الكتاب المتخصصين، في ظل ميل بعض شركات الإنتاج إلى الأسماء المعروفة جماهيريًا، بغض النظر عن نضج التجربة الكتابية، وفق رأيه، مؤكدًا أن جودة النص وحدها يجب أن تكون الحكم النهائي.
لضمان نجاح هذه التجربة، اقترح الناقد الفني عامر عامر الاعتراف بأن الكتابة مهنة مستقلّة وليست امتدادًا تلقائيًا للتمثيل. وعلى الفنانين الذين يدخلون هذا المجال التعلم الجاد، ودراسة تقنيات الكتابة، أو العمل مع مستشارين دراميين على الأقل. كما لفت إلى ضرورة التواضع المهني، من خلال قبول النقد وإعادة الكتابة، والفصل بين الدورين، بحيث لا تُكتب الشخصيات لخدمة الممثل فقط، والعمل الجماعي والشراكة مع كتاب محترفين بدل إقصاء الكتاب المحترفين.
وحدد "السيناريست" فادي حسين عدة متطلبات لنجاح التجربة، تلخصت في:
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة