وهم الرجل القوي: كيف تدفع نظرية الضبط بالعنف نحو مزيد من التطرف في سوريا وخارجها


هذا الخبر بعنوان "وهم نظرية الرجل القوي …" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في حزيران من عام 2014، شهدت مدينة جنيف اجتماعاً مغلقاً ضم شخصيات مدنية وقيادات من فصائل مسلحة، حيث كان انس جودة حاضراً. كان الهدف من الاجتماع وضع اللمسات الأخيرة على مبادرة “خطوات” لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، بعد عام كامل من المفاوضات الشاقة. فجأة، وصل خبر صادم إلى القاعة: تنظيم داعش قد احتل مدينة الموصل. خيم صمتٌ مطبق على الحضور، قبل أن يغلق أحد القادة العسكريين أوراقه معلناً بحسم: «انتهت هذه المبادرة اليوم. لا أستطيع المضي في أي مسار سياسي بعد الآن، فأي خطوة تهدئة ستدفع بمقاتليّ للانضمام إلى داعش».
لم يكن القائد يبرر أفعال داعش، بل كان يصف واقعاً مريراً حيث يصبح التطرف هو المعيار الأقصى للشرعية، وتتحول أي محاولة سياسية إلى خسارة تنظيمية فورية. لم تكن تلك اللحظة مجرد تفصيل عابر، بل كانت كاشفة لآلية تتكرر باستمرار حتى يومنا هذا. ففي البيئات التي يسودها العنف، لا يُهزم الفاعلون بسبب خسارة معركة عسكرية، بل لأنهم يفقدون “سوق الشرعية”. وعندما ترتفع وتيرة المزايدة العقائدية، يصبح الاعتدال بمثابة انتحار تنظيمي، ويُدفع المقاتلون تلقائياً نحو الجهة الأكثر تطرفاً، لأنها توفر لهم معنى وهوية وسقفاً أعلى للقوة.
من هذا المنطلق، تبدو نظرية “الرجل القوي” جذابة وساذجة في آن واحد. فاليوم، يُروّج لمقولة مفادها أن الاستقرار يتطلب زعيماً قادراً على الضبط، ملماً بخبايا هذه الجماعات ويفهم لغتها. لكن التجارب أثبتت عكس ذلك تماماً؛ فمنطق القوة لا ينهي العنف، بل يفتح الباب أمام مزايدة مستمرة على القوة ذاتها. سيظهر دائماً من هو أقوى، أو أكثر تشدداً، أو أكثر استعداداً للمضي إلى أقصى الحدود. ومع كل دورة، تتجه القواعد المقاتلة نحو التطرف، ليس لأنها شريرة بالفطرة، بل لأن بنية الشرعية المفروضة لا تترك لها خياراً آخر.
هذا المنطق لا يقتصر على الحركات الجهادية وحدها؛ ففي غياب الدولة، تصبح كل عصبية مؤهلة لإنتاج “رجلها القوي”، سواء كانت ميليشيا إثنية، أو زعيماً محلياً، أو حتى شبكات مافيا اقتصادية. والنتيجة واحدة في كل الحالات: استقرار مؤقت، يليه صراع جديد، ثم طلب اعتراف دولي جديد بقوة الأمر الواقع. وهكذا، ندخل في دوامات لا متناهية من العنف المُدار.
الخلاصة واضحة وقاسية: لا يمكن هزيمة التطرف باستخدام أدواته الخاصة، ولا يمكن بناء استقرار دائم عبر حكم الميليشيات، مهما بدت منضبطة أو براغماتية. البديل الوحيد القابل للحياة هو الدولة، التي تقوم شرعيتها على المواطنة، وتحتكر العنف بشكل قانوني، وتوفر مساراً سياسياً ينتزع المعنى من السلاح ويعيده إلى المجتمع. كل ما عدا ذلك ليس حلاً، بل هو مجرد تأجيل متعمد للانفجار القادم. (أخبار سوريا الوطن-1)
سياسة
سياسة
اقتصاد
سوريا محلي