الشركات الحكومية القابضة في سوريا: طموح سنغافوري لإعادة الإعمار أم تحديات واقعية؟


هذا الخبر بعنوان "الشركات الحكومية القابضة.. هل تسلك سوريا طريق سنغافورة أم تتعثر؟" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
مع دخول الاقتصاد السوري مرحلة إعادة الإعمار بعد سنوات الحرب، تتزايد الحاجة إلى أدوات فعالة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على الصمود. في هذا السياق، تبرز الشركات الحكومية القابضة كأداة استراتيجية أساسية، ليس فقط لإدارة أصول الدولة بكفاءة، بل أيضاً لتعزيز القدرة على جذب الاستثمارات، وحماية الاقتصاد من تقلبات الأسواق العالمية، وتأمين بيئة مستقرة للقطاع الخاص والمستثمرين المحليين.
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن التجارب الدولية أثبتت فعالية نموذج الشركات القابضة في تعزيز الأداء الاقتصادي للدول. ففي سنغافورة، تُدار شركة “تيماسك” القابضة (Temasek Holdings) وصندوق الاستثمار الحكومي (GIC) وفق آليات قابضة متقدمة، مما مكن الدولة من تحقيق عوائد مالية كبيرة وتعزيز مكانتها الاقتصادية عالمياً، مع الحفاظ على القدرة على التحكم بالقطاعات الاستراتيجية الحيوية. تأسست “تيماسك” عام 1974 كشركة استثمارية حكومية سنغافورية، وتعد من أهم أدوات الدولة لإدارة أصولها المالية والاستثمارية محلياً ودولياً. أما صندوق الاستثمار السنغافوري (GIC)، فهو جهة حكومية مستقلة تأسست عام 1981، ويهدف إلى إدارة جزء من احتياطيات الدولة المالية لتحقيق عوائد استثمارية طويلة الأجل. وتصنف سنغافورة، وفق البيانات الاقتصادية الحديثة، ضمن أقوى 30 اقتصاداً عالمياً، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي الاسمي أكثر من 547 مليار دولار في عام 2024، ممثلاً نحو 0.52 بالمئة من الاقتصاد العالمي، ووصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 91 ألف دولار.
في السياق السوري، يرى الخبراء أن اعتماد الشركات الحكومية القابضة يمكن أن يشكل أولى خطوات إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وفق خارطة طريق متكاملة. أوضح الخبير في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات، مهند الزنبركجي، لصحيفة الثورة السورية، أن هذه الشركات العملاقة، التي ستُدار بآلية وهيكلية مشابهة للشركات القابضة العالمية، ستكون قيمها السوقية بالمليارات وتغطي جميع القطاعات وتوفر آلاف فرص العمل. وأكد الزنبركجي أن هذه الشركات ستكون السلاح الاقتصادي الأقوى في يد الدولة للنهوض بالاقتصاد الوطني ومواجهة أي توترات أو تقلبات ناتجة عن مواقف سياسية عالمية أو تراجع في تدفق الاستثمارات قد تؤثر سلباً على مسيرة الاقتصاد المحلي. وأضاف أنها ستكون ملاذاً آمناً للاستثمارات بعشرات المليارات، سواء من أموال رجال الأعمال والتجار والمتمرسين في إدارة المحافظ الاستثمارية، أو المواطنين الباحثين عن ملاذ آمن لمدخراتهم. كما أكد الخبير الاقتصادي أن هذه الشركات تتوافق مع اتجاه الحكومة نحو سوق الاقتصاد الحر، ولا تتعارض مع أي شركات قادمة للاستثمار في سوريا من القطاعات ذاتها، لأنها ستستحوذ على حصة من السوق وليس كامله، وذلك قبل أن تتجه إقليمياً وعالمياً.
من جانبه، يرى عضو مجلس إدارة اتحاد غرف الصناعة السورية والمستشار الأول السابق لوزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور مازن ديروان، أن مساهمة الشركات الحكومية القابضة في إعادة هيكلة الاقتصاد السوري تأتي من خلال تولي مهام شركات القطاع العام. وأوضح ديروان لصحيفة الثورة السورية، أن ذلك يتم عبر تحويل شركات القطاع العام، التي كبدت الاقتصاد والمواطن السوري خسائر فادحة على مدى فترة سيطرة “نظام الاقتصاد الماركسي الناصري والبعثي ورأسمالية المحاباة والفوضى الأسدي لأكثر من خمسة عقود”، إلى شركات قابضة. واعتبر ديروان أن هذا التحول سينهي إدارة الدولة لهذه المنشآت بعد أن ثبت فشلها، وسيوفر على خزينة الدولة الخسائر التشغيلية البالغة التي كانت وما زالت تتكبدها الحكومة عاماً بعد عام بسبب تدني كفاءة الإنتاج في القطاع العام. وأكد أن المأمول ليس فقط إيقاف الخسائر بل رفد الخزينة بالأرباح الناتجة عن الشراكة مع القطاع الخاص بعد إعادة تشغيل هذه المنشآت وإدارتها من قبل القطاع الخاص. ورأى أن دور اتحاد غرف التجارة والصناعة يكمن في تشجيع المستثمرين السوريين وغير السوريين على الاستثمار في هذه الشركات الحكومية القابضة.
أعرب ديروان عن تأييده لبيع وخصخصة معظم هذه الشركات، لا سيما تلك التي لم يتبقَ فيها قيمة سوى الأرض التي تشغلها، وذلك وفق إجراءات بالغة الشفافية مع استخدام عوائد البيع في ترميم البنى التحتية المنهارة بما يحقق استفادة أفضل للمواطنين من قيمة هذه الأصول العامة. وأوضح أنه لا يعتقد أن هذه الشركات ستكون جاذبة بما يكفي للمستثمرين، إلا في حال عرض أسهمها بقيم منخفضة جداً نتيجة ضعف البيئة الإدارية الحالية للجهاز الحكومي، الذي ما زال قائماً في معظمه على سياسات وضعها النظام المخلوع. وحذر من أن لجوء الحكومة إلى تخفيض أسعار الأسهم لاجتذاب المستثمرين في حال الإبقاء على ملكيتها وتحويلها إلى شركات قابضة سيؤدي إلى منافسة غير عادلة مع القطاع الخاص، ويخالف مبادئ اقتصاد السوق الحر. لكن ديروان يؤكد أن نجاح هذا النموذج يتطلب مجموعة من الخطوات التشريعية والإدارية، تتمثل في إنشاء شركة قابضة مملوكة لوزارة المالية وخاضعة لقانون الشركات، لا يسمح بالتدخل السياسي في عملها ويكون لها مجلس إدارة مستقل من محترفين، إضافة إلى إعلان رسمي بأن الدولة لن تدير الشركة وستحتفظ فقط بالملكية ونقل ملكية المصانع الحكومية القائمة إلى الشركة القابضة، ووضع أهداف مالية ومؤشرات أداء واضحة للشركة والقائمين عليها، وطرح أسهم هذه الشركات على القطاع الخاص للاستثمار فيها. ويعتقد أن البيئة القانونية والسياسية الحالية تجعل تحقيق هذه المتطلبات صعباً جداً في الوقت الحاضر.
تواصلت صحيفة الثورة السورية مع الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، بهدف توضيح خطوات إنشاء الشركات الحكومية القابضة، وآلية تحديد القطاعات المستهدفة لكل شركة، إضافة إلى بيان كيفية ضمان التوازن بين دور هذه الشركات ودور القطاع الخاص بما يحافظ على بيئة استثمارية عادلة ويضمن احترام مبادئ اقتصاد السوق. وقال مدير مديرية الشركات، عبد المجيد العبدو، إن إنشاء الشركات العمومية القابضة يأتي نتيجة الحاجة إليها ضمن القطاعات التي تحددها الوزارات المشرفة على تلك القطاعات، والتي يمكن أن تتضمن القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد السوري، مثل: الطاقة، النقل، الاتصالات، الإسكان، والغذاء، وذلك من خلال التواصل مع مديرية الشركات لإنشائها وفق أحكام القانون رقم /3/ لعام 2024، الذي نظم أحكام مثل هذه الشركات. وأوضح أن هذا القانون يقدم الكثير من التسهيلات المطلوبة في تأسيس الشركات العمومية القابضة وإدارتها وما يتعلق بإدارة إيراداتها، إذ يتيح تقديم قروض للشركة القابضة العمومية، ولا تدخل إيراداتها ونفقاتها ضمن الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي يتيح لها إعادة استثمار هذه الإيرادات في تحديث منشآتها وآلاتها وباقي موجوداتها الثابتة. وأضاف العبدو أن القانون منح الشركات العمومية القابضة اعتماد نظام عمل خاص بها متوافقاً مع نظام العمل النافذ، مع مرونة أكبر في التوظيف ومنح المزايا والمكافآت الخاصة بالموظفين. كما أن نظام الإدارة المعتمد في الشركات القابضة يتمتع بمرونة تركز على تولي أصحاب الاختصاص الفني إدارتها، الأمر الذي سينعكس إيجابياً على حسن إدارة الأصول وتوزيع الأرباح بما يحقق أغراض الشركة.
حول كيفية ضمان توازن دور الشركات العامة والشركات القابضة الخاصة، بما لا يؤثر على قدرة المستثمرين المحليين والأجانب على دخول السوق، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أكد العبدو أن تأسيس الشركات القابضة الحكومية أو العمومية، والتي ستدار بمرونة مشابهة للشركات القابضة الخاصة، يجب أن يخضع لعدد من الضوابط التي تحقق التوازن في سوق الاستثمار السورية، ومن أهمها تحقيق المنافسة العادلة، ومنع الاحتكار لمصادر التوريد وسوق التوزيع، ووضع قواعد تنظيمية واضحة تطبق على كل الشركات العامة والخاصة، وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات والمساواة في الحوافز الاستثمارية بين الشركات العامة والخاصة. كما شدد على ضرورة تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص للاستفادة من التمويل المطلوب وجذب الاستثمارات لإدارة قطاعات اقتصادية كبرى، ووضع آليات رقابية موحدة لكل من القطاعين العام والخاص دون تمييز فيما بينهما.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد