الحزام الأخضر الألماني: من حدود الحرب الباردة الخطرة إلى ملاذ طبيعي فريد


هذا الخبر بعنوان "سي إن إن : ألمانيا .. كيف تحولت واحدة من أخطر الأماكن في أوروبا إلى جنة برية بدون قصد ؟" نشر أولاً على موقع aksalser.com وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٢ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
من الصعب تصور أن أحد أروع المناظر الطبيعية الهادئة في ألمانيا اليوم، يدين بوجوده لفترة مظلمة من تاريخ البلاد. يمتد هذا الحزام الأخضر لأكثر من 1300 كيلومتر على طول الحدود السابقة التي كانت تفصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية الشيوعية، ويحتضن الآن تنوعًا بيولوجيًا غنيًا يشمل نباتات الأوركيد النادرة، والأراضي الرطبة، والمستنقعات التي تعج بالطيور.
في بداياته، كان هذا الحزام منطقة محايدة شديدة التحصين، مليئة بالألغام، وتخضع لمراقبة مستمرة ليلًا ونهارًا بهدف منع مواطني الشرق من الفرار. ورغم أن ذكريات الحرب الباردة تبدو بعيدة عند التجول فيه اليوم، إلا أن ازدهاره البيئي لم يكن ممكنًا إلا بسبب إجبار البشر على الابتعاد عنه. يُعد مستنقع خث "تشاينر"، الواقع تقريبًا بين مدينتي هامبورغ وبرلين، اليوم أحد أبرز الأراضي الرطبة في ألمانيا.
تعود جذور هذه المحمية الطبيعية البكر إلى فترة الحرب الباردة. فبين عامي 1949 و1989، شكلت هذه المنطقة جزءًا من الحدود الألمانية الداخلية الفاصلة بين ألمانيا الغربية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية في الشرق. على الجانب الألماني الشرقي، كانت المنطقة محصنة بالأسلاك الشائكة، وحقول الألغام، وأبراج المراقبة، وأجهزة إطلاق النار الآلية، ليس لصد أي غزاة، بل لمنع المواطنين من الهروب. امتدت منطقة الحظر العسكرية التابعة لألمانيا الشرقية، بعرض حوالي 5 كيلومترات، على طول الحدود الألمانية الداخلية، وكانت تخضع لدوريات على مدار الساعة. وقد أدى إخلاء المناطق المحيطة بالشريط المركزي من المستوطنات والأنشطة المدنية إلى نشوء منطقة عازلة تحولت، عن غير قصد، إلى محمية طبيعية.
كان الاقتراب من الحدود واستخدام المناظير محظورًا بشكل صارم. ومع ذلك، ورغم المخاطر، استقطبت المنطقة اهتمام مراقبي الطيور من كلا الجانبين. صرح كاي فروبل، الذي وُلد في هاسنبرغ عام 1959 على بعد حوالي 322 كيلومترًا جنوب مستنقع "تشاينر"، قائلًا: "اكتشفنا أن أكثر من 90% من أنواع الطيور النادرة أو المهددة بالانقراض في بافاريا يمكن العثور عليها في الحزام الأخضر". وأكد أن المنطقة تحولت إلى "ملاذ أخير للعديد من الأنواع، ولا تزال كذلك حتى اليوم".
يعمل فروبل حاليًا أستاذًا في علم البيئة، لكنه كان من هواة مراقبة الطيور خلال فترة وجود منطقة الحظر. من منظور بيئي، مثلت الستارة الحديدية "نعمة" غير متوقعة، حيث وفرت ملاذًا طبيعيًا للحياة البرية دام لأربعين عامًا. لذلك، لم يكن مفاجئًا أن يبادر فروبل في ديسمبر 1989، بعد شهر واحد من سقوط جدار برلين، إلى تنظيم اجتماع في هوف، وهي مدينة حدودية أخرى تقع جنوب مستنقع الخث، لمناقشة مستقبل هذه المحمية الطبيعية التي نشأت بالصدفة.
وافق المشاركون بالإجماع على قرار حماية هذه المنطقة تحت إشراف الاتحاد الألماني للبيئة وحماية الطبيعة، المعروف اختصارًا باسم "BUND". وفي عام 2001، دعت الوكالة الفيدرالية الألمانية لحماية الطبيعة إلى تأسيس محميات طبيعية رسمية في أكبر عدد ممكن من المناطق، بهدف إنشاء نظام بيئي ألماني متكامل. إلا أن الحكومة الألمانية الموحدة حديثًا فضلت في البداية إعادة الأراضي إلى أصحابها السابقين.
تلاشى هذا العائق في عام 2002. وفي عام 2005، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رسميًا إدراج الحزام الأخضر ضمن التراث الطبيعي الوطني لألمانيا. تقديرًا لجهودهما، حصل فروبل ورئيس اتحاد حماية الطبيعة آنذاك، هوبرت فايغر، على جائزة البيئة الألمانية في عام 2017.
اليوم، يغطي الحزام الأخضر كامل أراضي الحدود السابقة، ويمر عبر ست ولايات ألمانية. تُعد هذه المنطقة أطول شبكة بيئية في ألمانيا، حيث تربط الأراضي الرطبة، والغابات، والمراعي، وتأوي أكثر من 1200 نوع نادر ومهدد بالانقراض من الحشرات والحيوانات. للأسف، لا تضمن هذه القصة الملهمة بقاء الحزام الأخضر آمنًا إلى الأبد. فبالرغم من حماية أجزاء كبيرة منه، يظل بإمكان السياسيين إعادة تعريف استخداماته، كما حدث في ولاية هيسن عام 2024، حيث قلصت الحكومة المحلية مساحة الأراضي المخصصة لمحميتها الطبيعية إثر احتجاجات من المجتمعات المحلية وجمعيات الصيد والزراعة.
على مدى أكثر من عقد من الزمان، تعاون الاتحاد الألماني للبيئة وحماية الطبيعة مع دعاة حماية البيئة والمجموعات التطوعية في مختلف أنحاء أوروبا لتوسيع مفهوم الحزام الأخضر خارج حدود ألمانيا. يهدف هذا التعاون إلى إنشاء "حزام أخضر أوروبي" يضم سلسلة من المحميات الحيوية التي تمتد لأكثر من 12800 كيلومتر، من بحر بارنتس شمالًا وصولًا إلى البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود جنوبًا، محاذيًا بذلك حدود الحرب الباردة السابقة لـ24 دولة.
يبرز سبب مقنع آخر لتحويل المناطق الحدودية إلى محميات طبيعية، وهو الجانب الدفاعي. ففي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، شرعت دول الاتحاد الأوروبي المتاخمة لروسيا وبيلاروسيا في إقامة سياجات وتحصينات حدودية. وفي الوقت ذاته، بدأت دول البلطيق في التخطيط لإنشاء خط دفاعي يضم مخابئ وخنادق مضادة للدبابات، مع الاستفادة من التحصينات الطبيعية كالمستنقعات والأنهار. ولا يقتصر تأهيل البيئة الطبيعية على توفير ميزة دفاعية فحسب؛ فالأراضي الرطبة المستعادة تلعب دورًا حيويًا في إحياء التنوع البيولوجي، وتوفير موائل للحيوانات المهددة بالانقراض، وامتصاص مياه الفيضانات، واحتجاز ثاني أكسيد الكربون. على النقيض، تطلق المستنقعات التي يتم تجفيفها الكربون، مما يفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
منوعات
اقتصاد
منوعات
اقتصاد