القامشلي تشهد طفرة عمرانية واستثمارية غير مسبوقة: الاستقرار يدفع عجلة البناء ويرفع أسعار العقارات


هذا الخبر بعنوان "“الاستقرار” يسرّع مشاريع البناء ويضاعف الأسعار في القامشلي" نشر أولاً على موقع North Press وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في ورشة خشبية صغيرة تقع على أطراف أحد أحياء القامشلي، يقضي جهاد الأحمد وقته منهمكًا بين المناشير وألواح الخشب، يعمل لساعات طويلة دون توقف. جهاد، الذي يمتهن النجارة منذ سنوات، لم يعتد هذا الحجم الهائل من العمل من قبل. يؤكد الأحمد لـ "نورث برس" أن هاتفه لا يتوقف عن الرنين، وتتوالى طلبات المشاريع بوتيرة غير مسبوقة. تختصر قصة جهاد واقعًا جديدًا تعيشه مدينة القامشلي اليوم، حيث عاد العمران والاستثمار ليشكّلا ملامح مرحلة مختلفة بعد سنوات من التراجع والخوف.
شهدت مدينة القامشلي، الواقعة شمال شرق سوريا، انتعاشًا ملحوظًا في وتيرة العمران والاستثمارات، وذلك بعد أعوام من الانخفاض الحاد الذي فرضته الحرب والهجمات التركية المتكررة. جاء هذا التحول عقب سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وما تبعه من حالة استقرار نسبي في البلاد، إلى جانب توقف الهجمات التركية التي كانت تستهدف المناطق الشرقية بشكل خاص. وتشير التقارير إلى أن قطاع البناء في القامشلي شهد ركودًا غير مسبوق بين عامي 2019 و2023، حيث اقتصرت الأعمال على الترميم فقط، وسط عزوف شبه كامل عن المشاريع الجديدة.
يقول الأحمد، النجار في مدينة القامشلي، في حديثه لـ "نورث برس"، إن مشاريع المباني السكنية والمعمارية شهدت هذا العام قفزة كبيرة جدًا، وصلت، بحسب تقديره، إلى نحو 100% مقارنة بالأعوام السابقة. وقد شكّل غياب الأمن والاستقرار السياسي السبب الأبرز لتأخر الإعمار، إذ لا يمكن للمستثمرين أو السكان العودة أو بناء مشاريعهم في بيئة غير آمنة. حتى في المناطق التي توقفت فيها المعارك أو تراجعت، كانت هناك مخاوف من تجدد النزاع وانعدام استقرار سياسي وإداري، مما أثر سلبًا على قرارات الاستثمار.
ويُرجع الأحمد سبب هذا النشاط المتزايد إلى حالة الاستقرار التي تشهدها المدينة، موضحًا أن السكان يتمتعون هذا العام براحة نفسية أكبر وشعور متزايد بالأمان، ما عزز قناعتهم بأن المنطقة تتجه نحو مستقبل أفضل. ويضيف: "لم نعد نلحق بالعمل. نعمل ضمن ورشات نستلم المشروع من بدايته حتى الانتهاء منه، وهناك ضغط وطلب كبير من أصحاب المشاريع والمستثمرين، ما يضطرنا أحيانًا للاعتذار عن بعض الأعمال بسبب كثافة الطلب هذا العام".
مع تزايد حركة البناء والاستثمار، سجلت أسعار العقارات في القامشلي ارتفاعًا كبيرًا وملحوظًا. يؤكد نضال سعيد، صاحب مكتب عقاري في المدينة، لـ "نورث برس" أن نسبة الإنشاءات والعقارات ارتفعت هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية التي كانت فيها عمليات البناء شبه معدومة. ويربط سعيد هذا النشاط بوجود حالة من الاستقرار منذ قرابة عام في سوريا عمومًا، وفي المنطقة بشكل خاص، مشيرًا إلى أن معظم الاستثمارات الحالية تعود لأشخاص مقيمين خارج البلاد، يقومون بشراء عقارات وبناء شقق سكنية، إضافة إلى محال تجارية ومولات.
ويتابع سعيد: "كلما ازداد الاستثمار ارتفعت أسعار البناء والعقارات أكثر"، لافتًا إلى أن نسبة العمران هذا العام ارتفعت بنحو 80% مقارنة بالسنوات الفائتة.
إلى جانب استثمارات المغتربين، تشهد القامشلي نشاطًا متزايدًا لشركات محلية تعمل بالشراكة مع عدة أشخاص على إنشاء محال تجارية كبيرة وموسعة، ما يسهم بشكل مباشر في تعزيز حركة البناء داخل المدينة. يصف قهرمان حسن، وهو معلم نجار آخر في القامشلي، المشهد اليومي في شوارع المدينة قائلاً لـ "نورث برس": "حين تمر في شوارع القامشلي تجد عمالًا ومباني قيد الإنشاء في كل مكان، هناك نشاط عمراني واستثماري كبير". ويؤكد حسن أن ما تشهده المدينة من استثمارات ومشاريع سكنية وتجارية يعكس بوضوح حالة الاستقرار التي يشعر بها السكان، ويعد دليلًا على ثقتهم بالمستقبل.
من جانبه، يقول أكرم أسمر، أحد سكان القامشلي، لـ "نورث برس" إن حركة البناء ازدادت بشكل واضح في الآونة الأخيرة نتيجة استقرار الوضع العام في المنطقة، ما أعاد الأمل لدى السكان بالبدء من جديد والاستثمار وإعادة الإعمار. ويضيف أن العمارات والمباني السكنية الجديدة تُقام بشكل أكبر في الشوارع الحيوية والمواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن أسعار العقارات تختلف من حي إلى آخر بحسب الموقع، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في أسعار بعض الشقق السكنية.
تعكس حركة العمران المتسارعة في القامشلي تحولًا لافتًا في المشهد الاقتصادي والاجتماعي للمدينة، بعد سنوات من الركود. وبين قصص العمال والحرفيين، وعودة المستثمرين من الداخل والخارج، تبدو القامشلي اليوم في بداية مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز: الاستقرار يولّد الإعمار، والإعمار يعيد الأمل.
يُذكر أن الحرب في سوريا، التي بدأت في عام 2011، أدت إلى دمار واسع في البنية التحتية والمباني حتى عام 2023. ووفقًا للتقديرات الدولية، تضرر ما يقرب من ثلث رأس المال الاستثماري قبل الحرب، مع دمار كبير في الطرق والكهرباء والمساكن والقطاع الاقتصادي بشكل عام، مما جعل الكثير من المشاريع العمرانية غير ممكنة عمليًا. كما أثر الصراع بشكل عميق على الاقتصاد؛ حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري بشكل حاد بين عامي 2011 و2023، مما حد بشدة من الأموال المتاحة للاستثمار والبناء. هذا الانكماش الاقتصادي يعني أن الدولة والأفراد لم يكونوا قادرين على تمويل مشاريع كبيرة أو طويلة الأجل خلال تلك السنوات.
تحرير: معاذ الحمد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد