زيارة الوفد التركي لدمشق: رسائل سياسية معقدة واشتباكات الشيخ مقصود تضع اتفاق 10 آذار على المحك


هذا الخبر بعنوان "الوفد التركي في دمشق: رسائل سياسية واختبار عسكري في الشيخ مقصود" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تجاوزت زيارة الوفد التركي رفيع المستوى إلى دمشق، الذي ضم وزيري الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، مجرد الإطار البروتوكولي لتشكل منعطفاً أمنياً وعسكرياً وسياسياً جديداً، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية. وقد ركزت المباحثات، وفقاً لما أعلنته أنقرة ودمشق، على قضايا الأمن القومي، وفي مقدمتها متابعة تنفيذ اتفاق 10 آذار 2025، بالإضافة إلى التحديات الأمنية في جنوب سوريا جراء الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وملفات عودة اللاجئين، ومكافحة تنظيم “داعش”.
من جانبه، أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أن الرئيس أحمد الشرع ناقش مع الوفد التركي ملفات "بالغة الأهمية"، شملت تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري في ضوء رفع العقوبات الأميركية، وتوسيع التنسيق الاستخباري والعسكري، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين. في المقابل، شدد فيدان على أن تطبيق اتفاق 10 آذار ودمج "قوات سوريا الديمقراطية – قسد" ضمن الجيش السوري "أمر ضروري ويصب في مصلحة جميع الأطراف"، معرباً عن شكوك أنقرة في وجود نية حقيقية لدى "قسد" للالتزام بهذا الاتفاق.
يمثل اتفاق 10 آذار محوراً أساسياً في الحوار السوري–التركي، حيث ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا تحت مظلة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر وحقول النفط والغاز، وضم "قسد" إلى مؤسسات الجمهورية. إلا أن تأخر تطبيق بنوده واقتراب المهلة الزمنية المحددة له، أعادا الاتفاق إلى صدارة المشهد السياسي المتوتر. وقد سبق أن حذر فيدان "قسد" من أي تأجيل إضافي، مؤكداً أن استمرار الوضع الراهن "يهدد الوحدة الوطنية"، وأن صبر الأطراف المعنية "بدأ ينفد"، مشدداً على أن أنقرة تفضل عدم اللجوء إلى الخيار العسكري في حال الالتزام ببنود الاتفاق.
مباشرة بعد انتهاء الزيارة، شهدت أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب اشتباكات متقطعة بين قوات الجيش السوري و"قسد"، مما استدعى إلى الأذهان توترات مشابهة حدثت في تشرين الأول الماضي. ورغم تبادل الاتهامات بشأن المسؤولية، فإن توقيت هذه الاشتباكات أثار تساؤلات جدية حول صلتها المباشرة بالأجواء السياسية التي صاحبت زيارة الوفد التركي.
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في تصريح لمنصة سوريا 24، أن "زيارة الوفد التركي إلى دمشق تتجاوز كونها حدثاً بروتوكولياً، لتشكل دليلاً على تحول استراتيجي تدريجي في تعامل أنقرة مع الملف السوري". وأضاف أن "ما حدث في الشيخ مقصود والأشرفية يمثل أول اختبار ميداني لهذا التوجه، ورسالة مفادها أن المرحلة القادمة ستشهد إعادة تشكيل قاسية للتوازنات، غالباً على حساب الفاعلين المحليين والمجتمع المدني".
من جهته، أوضح أنس الكردي، رئيس قسم الأبحاث والسياسات بوحدة برادم من دمشق، في حديث لمنصة سوريا 24، أن الزيارة تندرج ضمن سياق ثلاثي الأبعاد: "قضايا سورية داخلية مرتبطة بشرق الفرات ودمج قسد، والعلاقة الثنائية مع أنقرة مع اقتراب موعد انتهاء مهلة اتفاق 10 آذار، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية التي باتت تؤثر بشكل مباشر على مسار التفاوض السوري–التركي". وأشار الكردي إلى أن انتهاء المهلة الزمنية أثار شكوكاً جدية حول إمكانية تنفيذ الاتفاق، خصوصاً بعد مواقف نُسبت لمظلوم عبدي تلمح إلى رفض الالتزام بالجدول الزمني وتقديم شروط إضافية، وهو ما دفع دمشق، على الأرجح، إلى إعادة تقييم جدوى الاستمرار في الاتفاق بصيغته الراهنة.
وفقاً للكردي، يبرز أحد السيناريوهات المطروحة في "إعادة صياغة الاتفاق كلياً بعد التحرير الكامل لشرق الفرات، وربما توسيعه ليشمل بنوداً جديدة تضمن التوازن والسيادة وتحظى بغطاء مؤسسي سوري رسمي". كما نوه إلى أن المباحثات تطرقت إلى أبعاد إقليمية، أهمها مستقبل دور حزب الله في ظل المساعي الدولية لاحتوائه، والتصعيد التركي الذي جاء على خلفية اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، والذي تعتبره أنقرة مساساً بمصالحها في شرق المتوسط.
تتعدد السيناريوهات المتوقعة لما بعد الزيارة، بحسب المتحدثين لمنصة سوريا 24، بين الدفع بمسار دمج "قسد" من خلال ضغوط سياسية وأمنية متزايدة، أو التوجه نحو إعادة هيكلة شاملة للاتفاق بما يتناسب مع موازين القوى المستجدة. في المقابل، قد تلجأ أطراف متضررة إلى إثارة توترات ميدانية، كما حدث في حلب، بهدف خلط الأوراق وعرقلة المفاوضات. ومع استمرار الوساطة الأميركية، وتأكيد دمشق على أن المفاوضات لا تزال قيد البحث، تبدو المرحلة القادمة محفوفة باحتمالات حساسة، حيث ستُختبر مدى جدية الأطراف في تحويل التفاهمات السياسية إلى حقائق ميدانية مستقرة، بعيداً عن أي تصعيد قد يهدد مسار التسوية برمته.
سياسة
سوريا محلي
سياسة
سياسة