مأساة ريف دمشق تتجدد: السلاح الفردي يحصد الأرواح ويتحول إلى خطر مجتمعي صامت


هذا الخبر بعنوان "رصاصة بلا قصد.. حين يتحول السلاح الفردي إلى قاتل صامت" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في حادثة مؤلمة أعادت فتح جرح غائر لدى أهالي ريف دمشق، لقي الشاب طارق بالوش من بلدة رنكوس حتفه قبل أيام، متأثراً بإصابته برصاصة خرجت عن طريق الخطأ من بندقية كانت بحوزة صديقه. وصفت الواقعة بأنها “غير مقصودة”، إلا أنها أودت بحياة الشاب بعد يومين من محاولات إنقاذه. أثارت هذه الحادثة موجة من الغضب والسخط الشعبي، مجددة التساؤلات حول الانتشار غير المنضبط للسلاح الفردي، وتحوله من أداة يُفترض أن تكون للحماية إلى وسيلة تحصد أرواح المدنيين، ولا سيما الشباب منهم.
لم يكن الشاب طارق، وهو من إحدى بلدات ريف دمشق، الضحية الأولى من نوعها، فقد سبقه قبل نحو عام شاب آخر من بلدة رنكوس قُتل برصاصة طائشة في حادثة مشابهة. هذا التكرار المأساوي دفع لجنة التنمية في رنكوس إلى إصدار بيان نعي وتحذير، أكدت فيه أن البلدة فقدت قبل عام عمار جهاد عبد الكريم، واليوم يتجدد الألم برحيل الشاب طارق للسبب ذاته. واعتبرت اللجنة أن “السبب واحد: سلاح وخطأ قاتل”، مشددة على أن الحد من هذه المآسي يبدأ من المجتمع نفسه، من داخل البيوت، ومن طريقة التعامل مع السلاح، قبل توجيه اللوم إلى أي جهة أخرى.
وحملت اللجنة في بيانها الأهالي والشباب مسؤولية أخلاقية مباشرة، مؤكدة أن السلاح وُجد لحماية الإنسان ورفع الظلم، لا للاستعراض ولا لإزهاق الأرواح. وحذرت من خطورة ممارسات لا تزال رائجة في بعض المناطق، مثل إطلاق النار في الأفراح والمناسبات أو حمل السلاح في التجمعات العامة. ودعت إلى تخزين السلاح في أماكن آمنة ومغلقة، بعيداً عن متناول الأطفال، وإلى تعزيز دور الأسرة في المتابعة والمساءلة، بالإضافة إلى الإبلاغ عن أي سلوكيات خطرة دون تهاون، انطلاقاً من مبدأ “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
على الرغم من هذه الدعوات، تشير معطيات ميدانية إلى أن السلاح الفردي بات متاحاً على نطاق واسع وبطرق سهلة، عبر مجموعات وصفحات على تطبيق “تلغرام” مخصصة لبيع وشراء البنادق والمسدسات. ووفقاً لمتابعات محلية، تبدأ أسعار بعض أنواع السلاح الفردي من نحو 250 دولاراً، وقد تصل إلى 1500 دولار أو أكثر، تبعاً للنوع والحالة، في سوق شبه مفتوحة لا تخضع لرقابة حقيقية.
وفي شهادة لأحد الشبان من ريف دمشق، تحدث لـ”سوريا 24” شريطة عدم ذكر اسمه، قال إنه اشترى بندقية روسية منذ أسابيع من تاجر ينشط عبر قناة تلغرام لبيع السلاح. وبرر ذلك بقوله إن “وجود السلاح في المنزل بات ضرورياً في ظل مرحلة غير مستقرة”، مشيراً إلى أنه يحاول تقليل المخاطر عبر عدم إظهاره أمام أطفاله أو حمله في الأماكن العامة. لكنه، في الوقت نفسه، أقر بأن كل هذه الاحتياطات لا تمنع وقوع حوادث قتل غير مقصودة، كما حدث مع شبان كثر في الآونة الأخيرة.
لا تقتصر خطورة السلاح المنفلت على الحوادث العرضية، بل تمتد لتشمل تصاعد الجرائم الجنائية المنظمة. ففي حادثة سجلت أمس في مدينة حلب، قُتل صائغان داخل محل للصاغة بعد أن دخل شخصان ملثمان وأطلقا النار عليهما، قبل سرقة كميات من الذهب والفرار من المكان. أعادت هذه الحادثة إلى الواجهة مخاوف السكان من تحول السلاح المتفلت إلى عامل مضاعف لانعدام الأمان، لا سيما في المدن الكبرى.
بين الرصاصة الطائشة والجريمة المتعمدة، تبدو النتيجة واحدة: خسارة أرواح بشرية، وتوسع دائرة الخوف وعدم الاستقرار المجتمعي. ومع غياب ضبط فعلي لانتشار السلاح الفردي، تبقى التحذيرات المجتمعية، كبيان لجنة التنمية في رنكوس، بمثابة جرس إنذار أخلاقي، يذكر بأن مواجهة هذه الظاهرة لا تبدأ فقط من القرارات الأمنية، بل من وعي الأفراد، ومسؤولية الأسر، ورفض المجتمع لتحويل السلاح إلى جزء عادي من الحياة اليومية، يدفع ثمنه الأبرياء.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي