العملة السورية الجديدة: هاجس شعبي ونفي رسمي للتأخير.. خبراء يدعون لخطاب اقتصادي متوازن وشفافية


هذا الخبر بعنوان "العملة الجديدة تتحول هاجسا للسوريين.. “المركزي” ينفي التأخير والنجاح يتطلب خطابا اقتصاديا متوازنا" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يستمر الجدل حول إصدار العملة السورية الجديدة، متأرجحًا بين تساؤلات حول التوقيت وتكهنات واسعة النطاق على منصات التواصل الاجتماعي. في المقابل، يلتزم المستوى الرسمي بالنفي وتقديم معلومات عامة مقتضبة، دون تفاصيل كافية لتبديد الشائعات أو تحديد موعد نهائي.
لقد استحوذ موضوع توقيت إصدار العملة الجديدة على اهتمام كبير، لدرجة أنه أثار تساؤلات حول طبيعة هذه الأحاديث: هل هي مجرد شائعات ذات تبعات سلبية، أم أنها تعبر عن رغبة مجتمعية مشروعة في فهم دقيق للمجريات الاقتصادية والسياسية الراهنة؟ يمكن النظر إلى الأمر من اتجاهين متوازيين:
في كل مرة يتم فيها تداول موعد محدد لإصدار العملة الجديدة، يوضح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن ترتيبات تغيير العملة الوطنية تسير وفق الخطط الموضوعة وبالتعاون المباشر مع جميع الجهات المعنية، مؤكدًا عدم وجود أي تأخير في التنفيذ. وأشار حصرية، في منشور عبر صفحته الرسمية على منصة “فيسبوك”، إلى أن موعد أي إجراء أو خطوة تتعلق بتغيير العملة سيعلن حصراً عبر مؤتمر صحفي رسمي يضع المواطنين والرأي العام أمام جميع التفاصيل بشفافية ووضوح، داعيًا الجميع إلى الاعتماد فقط على البيانات الصادرة عن المصرف والقنوات الرسمية.
وأكد حصرية أن العمل جارٍ لضمان أن تكون عملية التبديل سلسة، بما يضيف نجاحًا جديدًا للاقتصاد الوطني، ويسهم في تيسير حياة المواطنين ويعزز ثقة المستثمرين والأعمال بالعملة السورية. وكان قد صرح سابقًا بأن قرار تغيير العملة الوطنية وحذف صفرين منها تم حسمه بشكل نهائي، وأنه يشكل محطة مفصلية في تاريخ البلاد. وأوضح أن طباعة العملة تمر بمراحل متعددة ومعقدة تتطلب استعدادات فنية وإدارية عالية، مشيرًا إلى تشكيل لجنتين، استراتيجية وتشغيلية، لمتابعة مراحل الطباعة. كما أعلن حصرية عن طباعة عملة سورية جديدة من ست فئات (وذكر مرة أنها ثماني فئات) لتلبية احتياجات التداول اليومية بكفاءة أكبر، وستكون هذه الفئات خالية من الصور والرموز.
يرى الدكتور فراس حداد، عضو جمعية المحللين الماليين في سوريا، أن عدم تحديد مصرف سوريا المركزي موعدًا لإطلاق العملة المحلية الجديدة يعود إلى عدة اعتبارات. ومنها الانتظار إلى ما بعد إلغاء قانون “قيصر” ورفع العقوبات عن سوريا، لما لذلك من أثر إيجابي على الاقتصاد السوري. وأفاد في مقابلة مع “العربية Business” أن دخول الأموال الأجنبية إلى سوريا واستبدالها بالعملة المحلية يجب أن يتم بالعملة الجديدة، مما يجعل تأجيل الإصدار لما بعد رفع العقوبات الاقتصادية أمرًا أساسيًا وضروريًا. كما أن التوقيت حساس جدًا، إذ يجب أن ينسجم تغيير العملة مع إصلاح اقتصادي شامل يهدف إلى الاندماج الاقتصادي والمالي لسوريا مع العالم.
وأوضح الدكتور حداد أن أهم الاستعدادات المطلوبة تشمل إزالة العقوبات لتمكين التعامل مع المصارف العالمية، وسد الفجوة التقنية في المصارف لإعادة تهيئتها للعملات الجديدة، وحل مشكلة كتلة السيولة الكبيرة الموجودة في سوريا والموزعة بين المصارف واقتصاد الظل. كما أشار إلى غياب منظومة مدفوعات إلكترونية قوية حاليًا، والاعتماد الكبير على الأوراق النقدية لتمويل عجز الموازنة، مما أدى إلى فائض سيولة كبير. وأعرب عن أمله في أن يرتبط إصدار العملة الجديدة بنظام مدفوعات إلكتروني قوي، وأن يتم استبدال العملة جزئيًا عبر محافظ إلكترونية لتقوية التعاملات الرقمية. وشدد على أهمية اختيار الوقت المناسب لتحديد كتلة السيولة خارج القطاع المصرفي والإفصاح عنها لتجنب المضاربة على الليرة السورية مستقبلًا، مع مراعاة احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية والذهب.
ترى الدكتورة مادلين حاج خليل، دكتورة الاقتصاد المالي والنقدي، في تصريح لـ”الثورة السورية”، أن القضايا النقدية من أكثر الملفات الاقتصادية حساسية، لارتباطها الوثيق بسلوك الأفراد واستقرار الأسواق ومستوى الثقة العامة بالاقتصاد. وتؤكد أهمية التعاطي الاقتصادي الرصين مع الموضوع بعيدًا عن الانفعالات أو القراءات غير العلمية، خاصة في البيئات الاقتصادية المعقدة والمنهكة.
وتوضح حاج خليل أن العملة ليست مجرد وسيلة للتبادل، بل هي انعكاس للثقة بالاقتصاد والمؤسسات التي تديره. لذا، فإن أي حديث واسع حول الشأن النقدي ينعكس مباشرة على المزاج الشعبي العام وسلوك الأفراد في الادخار والإنفاق. وتشير إلى أن التوقعات تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل السلوك الاقتصادي؛ فالتوقعات المبنية على فهم منطقي تؤدي إلى التوازن والاستقرار، بينما انتشار الشائعات قد يقود إلى ردود فعل مبالغ فيها وسلوكيات احترازية غير مدروسة كالاكتناز النقدي، أو تحويل المدخرات إلى عملات أجنبية، أو المضاربة في الأسواق غير النظامية. هذه السلوكيات قد تؤدي إلى تشوهات مؤقتة في الأسواق حتى مع غياب أي تغيير فعلي في السياسات النقدية.
من هنا، تبرز أهمية الخطاب الاقتصادي المتوازن والمسؤول في تعزيز الثقة وتبديد المخاوف، من خلال التواصل الرشيد الذي يسهم في نشر الوعي وتعزيز الثقة العامة عبر الشفافية المؤسسية، وضبط التوقعات وتقليل الفجوة بين التحليل العلمي والانطباعات الشعبية. وتؤكد التجارب الدولية أن وضوح الرؤية الاقتصادية عامل حاسم في دعم الاستقرار النقدي وضبط الأسواق.
حول حديث تغيير العملة بالعموم، بغض النظر عن كونه حقيقة أو إشاعة، ترى الدكتورة مادلين أنه إجراء استراتيجي فني تنظيمي قد تلجأ إليه الدول لتحسين كفاءة التداول النقدي وتعزيز الأمان وتحديث البنية النقدية. إلا أن أثره الفعلي يعتمد على مدى انسجامه مع السياسات النقدية والمالية الأخرى. وتبرز تحديات لوجستية وتقنية في الاقتصادات التي تواجه ضغوطًا، تتطلب تخطيطًا مؤسسيًا دقيقًا وتنسيقًا عالي المستوى وإدارة فعالة للموارد. إن تغيير العملة ليس هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحسين إدارة السيولة، ودعم الاستقرار النقدي، وتعزيز كفاءة النظام المالي، وتسهيل التداولات اليومية.
ونوهت حاج خليل إلى أن تأثير تغيير العملة على سعر الصرف والسوق الموازية يعتمد على عوامل العرض والطلب والثقة والتوقعات، بينما شكل العملة أو تغييرها لا يؤثر بحد ذاته على قيمتها الحقيقية إلا إذا ترافق مع تغييرات في السياسة النقدية أو المالية.
مع الحديث عن تغيير العملة، برز موضوع اقتصاد الظل والكتلة النقدية خارج المصارف، حيث يعد اقتصاد الظل تحديًا هيكليًا في الاقتصادات المعقدة، إذ تحفظ شريحة واسعة من السيولة النقدية خارج النظام المصرفي. وبناء عليه، بينت حاج خليل أن تغيير العملة لا يمكن أن يكون حلًا منفردًا لهذه الظاهرة، لكنه يمكن أن يكون أداة تنظيمية مؤثرة تسهم، ضمن إطار متكامل، في إعادة رسم حركة السيولة داخل الاقتصاد. فالتعامل مع النقد يرتبط بدرجة عالية من التوقعات والثقة. وشددت على أن النجاح في التأثير على اقتصاد الظل لا يتحقق بالإجراءات النقدية وحدها، بل من خلال حزمة شاملة من الإجراءات التي تشمل تعزيز الثقة بالمؤسسات المالية وتحسين الخدمات المصرفية وتبسيط الإجراءات.
بالمحصلة، ترى دكتورة الاقتصاد المالي والنقدي أن تغيير العملة بحد ذاته لا يخلق تضخمًا، لكن سوء إدارة التوقعات قد يؤدي إلى ارتباك مؤقت في الأسواق. لذلك، تشدد الأدبيات الاقتصادية على ضرورة تنسيق أي إجراء نقدي مع سياسات مالية وإعلامية متوازنة، ومصداقية مؤسسية عالية وإدارة فعالة للتوقعات، مقرونًا بخطاب إعلامي مسؤول.
في وقت سابق، قال كرم شعار، الخبير الاقتصادي السوري والمستشار لدى الأمم المتحدة، في تصريح لـ”رويترز”، إن تغيير الأوراق النقدية التي تحمل صورة الأسد تحول سياسي ضروري، لكنه حذر من أن إعادة تقييم العملة قد يربك المستهلكين، خاصة كبار السن، إلى جانب الافتقار إلى إطار تنظيمي واضح أو خطة للتطبيق الكامل على مستوى البلاد نظرًا لتفاوت سيطرة الدولة على مناطق البلاد. واقترح شعار أن تصدر سوريا فئات أعلى من العملة نفسها، مثل أوراق نقدية من فئة 20 ألف ليرة أو 50 ألف ليرة، وهو ما من شأنه أن يحقق أهدافًا مماثلة في تسهيل التعامل مع النقد وتخزينه، مع تجنب التكلفة الكبيرة لإصلاح العملة بالكامل.
ويرى مصرفيون أن أحد العوامل وراء خطة إصلاح العملة هو القلق بشأن تداول ما يقدر بنحو 40 تريليون ليرة سورية خارج النظام المالي الرسمي، وأن إصدار أوراق نقدية جديدة سيحسن رقابة الحكومة على النقد المتداول. كما يرى خبراء اقتصاديون أن تبديل العملة في سوريا يجب أن يكون إجراءً اقتصاديًا يهدف إلى استعادة الثقة بالليرة السورية بعد أعوام من الانهيار الحاد في قيمتها وحالات التضخم المرتفع، مع إصدار ست فئات نقدية جديدة خالية من الصور والرموز. وقد انهارت الليرة السورية منذ عام 2011، حيث وصل سعر الصرف الآن إلى حوالي 11.5 ألف ليرة مقابل الدولار، مقارنة بـ50 ليرة قبل الحرب، مما جعل المعاملات اليومية والتحويلات المالية أكثر صعوبة.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد