أطفال سوريا العائدون من تركيا: تحديات الاندماج التعليمي في ريف إدلب الجنوبي وجهود مديرية التربية


هذا الخبر بعنوان "دمج الأطفال العائدين من تركيا في النظام التعليمي.. العوائق والحلول" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٣ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
مع استمرار عودة آلاف السوريين إلى وطنهم من تركيا بعد سقوط النظام المخلوع، يبرز ملف التعليم كأحد أبرز التحديات التي تواجه الأسر العائدة، خصوصاً في مناطق الشمال الغربي من البلاد مثل ريف إدلب الجنوبي. هذه العودة، التي تحمل آمالاً ببداية حياة جديدة، تكشف في الوقت نفسه عن فجوات تعليمية عميقة تراكمت على مدى سنوات النزوح والحرب. يواجه الأطفال العائدون، الذين قضوا جزءاً كبيراً من طفولتهم في تركيا، صعوبات جمّة في الاندماج ضمن النظام التعليمي السوري، وخاصة في المدارس الحكومية التي تعاني أصلاً من آثار الدمار ونقص الموارد. هذه التحديات لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فحسب، بل تمتد إلى اللغة والمهارات الاجتماعية والنفسية، ما يجعل عملية الدمج معقدة وتتطلب جهوداً مشتركة من الجهات التعليمية والأسر والمجتمع المحلي.
في تصريحات خاصة لصحيفة “الثورة السورية”، تحدثت جميلة الزير، معاونة مدير التربية في إدلب، عن التحديات التي تواجه الطلاب العائدين من تركيا، والتأثيرات السلبية للدمار الناتج عن الحرب على العملية التعليمية في ريف إدلب الجنوبي. وأكدت الزير أن هذه التحديات تتطلب جهوداً مكثفة لسد الفجوات التعليمية وضمان اندماج الطلاب في البيئة التعليمية المحلية.
أوضحت الزير أن الطلاب العائدين من تركيا قد فقدوا سنوات دراسية بسبب الحرب، ما يضعهم في مكان غير متكافئ مع زملائهم في المدارس المحلية. بعض هؤلاء الطلاب عادوا بعد انقطاع طويل عن التعليم، الأمر الذي يخلق فجوة كبيرة في مستوى التحصيل العلمي لديهم مقارنة بالطلاب الذين استمروا في الدراسة في مناطق أخرى من سوريا أو في المخيمات. ومن بين التحديات الرئيسية في هذا السياق تفاوت المستوى الأكاديمي، حيث يعاني الطلاب العائدون من ضعف في بعض المواد الأساسية مثل الرياضيات والعلوم واللغة العربية، نتيجة الانقطاع الطويل عن الدراسة أو الاختلاف في المناهج الدراسية. كما أشارت إلى قلة المهارات اللغوية، وخاصة لدى الطلاب الذين تلقوا تعليمهم في تركيا باللغة التركية أو الإنجليزية، ما يعيق فهمهم للغة العربية والمناهج السورية. إضافة إلى ذلك، تؤثر التجارب النفسية والعاطفية الصعبة مثل النزوح وفقدان أحد الأبوين على قدرتهم على التركيز والتعلم في بيئة جديدة.
وبحسب الزير، فإن تأثير الدمار على التحصيل العلمي كان كبيراً، إذ أكدت معاونة مدير التربية أن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية التعليمية في ريف إدلب الجنوبي أثر بشكل كبير في قدرة الطلاب على التعلم في بيئات آمنة وصحية. وتابعت: “تضررت المدارس بشكل كبير، سواء من حيث المباني أو التجهيزات، ما يحدّ من الوصول إلى بيئة تعليمية ملائمة”. ومن التحديات المرتبطة بهذا الدمار نقص الصفوف الدراسية، فقد أدى تدمير المدارس إلى اكتظاظ الصفوف ووجود بيئات تعليمية غير ملائمة. كما يعاني الطلاب من عدم استقرار البيئة التعليمية بسبب التهديدات المستمرة في السنوات السابقة، ما يجعل الحفاظ على بيئة تعلم آمنة وثابتة أمراً صعباً.
وصفت الزير عملية دمج الطلاب العائدين بأنها تحدٍّ مزدوج يتطلب من المعلمين والطلاب التكيف مع وضع جديد. ففي البداية، قد يواجه الطلاب صعوبة في الاندماج مع أقرانهم، وخاصة إذا كانت الفروقات في المهارات والمعرفة كبيرة. ومن تجارب هؤلاء الطلاب الاختلافات في المناهج الدراسية، حيث تختلف المناهج التركية بشكل كبير عن السورية، ما يسبب تحديات في فهم المواد وملاءمة المحتوى مع مستوى المعرفة الذي اكتسبوه. كما يواجهون صعوبة في الاندماج الاجتماعي، لا سيما بعد عيشهم لفترة طويلة في تركيا. وأشارت إلى حاجة بعض الطلاب إلى دعم نفسي خاص للتعامل مع الصدمات الناتجة عن الحرب والنزوح.
استجابةً لهذه التحديات، قدمت مؤسسات مديرية التربية في ريف إدلب الجنوبي مجموعة من البرامج والحصص التعويضية لتغطية الفاقد التعليمي. وتشمل هذه البرامج دروساً تعويضية إضافية تُقدم في المساء أو أيام العطل، مع التركيز على المهارات الأساسية مثل الرياضيات واللغة العربية. كما تنظم دورات تثقيفية إضافية في المواد العلمية مثل العلوم والرياضيات، مع التركيز على المهارات التطبيقية. إضافة إلى ذلك، تشجع المديرية على الأنشطة التعليمية غير التقليدية لتنمية مهارات التفكير النقدي وتعزيز التواصل بين الطلاب. وعلى الرغم من صعوبة الظروف، اتخذت المديرية إجراءات لتحسين الوضع التعليمي، مثل إعادة تأهيل المدارس من خلال جهود مستمرة لإصلاح وترميم المباني المتضررة، وإعادة تجهيز الصفوف الدراسية حسب القدرة المادية المتاحة. وفي المناطق التي لا يمكن فيها إصلاح المدارس بشكل سريع، يتم إنشاء مدارس مؤقتة في الخيام أو المراكز التعليمية البديلة.
أعرب بعض أولياء الأمور عن قلقهم بشأن جودة التعليم المقدم لأبنائهم في ظل الظروف الحالية، مطالبين بمزيد من الدعم النفسي والتعليمي للطلاب العائدين. أما مديرو المدارس، فقد أشاروا إلى أن التحديات تتضاعف بسبب صعوبات فصل الشتاء، لكنهم يثمنون الجهود المبذولة من قبل المديرية لاستيعاب الطلاب العائدين وتوفير بيئات تعليمية بديلة.
في تجربة شخصية، يشارك محمد إسماعيل، مدرس سوري أمضى 12 عاماً في أنقرة وعاد إلى سوريا قبل عدة أشهر، تجربته كأب لأربعة أطفال يتحدثون اللغة التركية بطلاقة. يصف إسماعيل في حديثه لـ”الثورة السورية” الواقع التعليمي لأبنائه، مشيراً إلى أن إجراءات التسجيل في المدارس الحكومية تتم بسهولة، إلا أن المتابعة التعليمية الفعلية تبقى مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى. يقول إسماعيل: “بالنسبة إلى المدارس الحكومية، يقول المدير لك: سجّل الطالب، عادي، لا مشكلة، لكن عليك أنت متابعته في المنزل، وهنا يعتمد الأمر على شخصية المعلم في الصف؛ فهناك معلمون يستجيبون للطلاب القادمين من تركيا ويراعونهم قليلاً، مثل أن يعطوهم أثناء الامتحانات أسئلة مختلفة عن تلك التي يقدمونها للطلاب الآخرين، أو يساعدونهم في عملية الحفظ، وهناك معلمون آخرون لا يكترثون ويسألون: كيف يمكنك أن تفعل مثل ما يفعله الطلاب الآخرون؟ فالعائدون من تركيا، بشكل عام، يعتمدون على آبائهم وأمهاتهم، وعلى المدرسين الخصوصيين، هذه هي الصراحة وهذا هو الواقع؛ يعتمدون على المعلمين أو على آبائهم وأمهاتهم إذا كانوا يعرفون”.
ويضيف إسماعيل: “طبعاً، هناك قسم من القادمين من تركيا كان آباؤهم يدركون أهمية اللغة العربية، فكانوا يعلمونهم اللغة العربية هناك، فبعضهم يعرف القراءة والكتابة، لكنه يواجه صعوبة في عملية الحفظ لأنه لم يكن يحفظ بالعربية، كما أنه يعاني في القواعد لأنه لم يدرسها، إنما تعلم فقط القراءة والكتابة، وبعضهم على اطلاع بالحروف وقراءتها وتهجئتها، نظراً لأنهم كانوا يتعلمون القرآن الكريم هناك، أما القسم الأكبر فلا يعرف الحروف والكلمات أصلاً”. ويكمل إسماعيل حديثه عن مشكلة أخرى: “كما أن هناك أمراً آخر؛ فبعض المديرين أو المعلمين يجرون اختبار تقييم للطلاب، فمثلاً طالب في الصف الخامس قد لا يعرف حروف اللغة العربية، فيقولون له: يجب أن نرجعك إلى الصف الثاني أو الثالث، وهذا يخلق أزمة ومشكلة للمعلم وللطالب نفسه، ويؤدي إلى مشكلات إضافية في الصف”. ووفقاً لإسماعيل، يعتمد نجاح هؤلاء الطلاب بشكل أساسي على الدعم الأسري والدروس الخصوصية، مع الحاجة إلى جهود رسمية لتطوير آليات التقييم والمساعدة.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي