أزمة التدفئة في سوريا: الحطب ملاذ الفقراء وتهديد متصاعد للغابات والبيئة


هذا الخبر بعنوان "الحطب بديل الفقراء وعبء البيئة.. التدفئة في سوريا بين الحاجة واستنزاف الغابات" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في ظل صعوبة تأمين المازوت وارتفاع تكاليفه، أصبح الحطب الخيار الأساسي للتدفئة لدى آلاف الأسر السورية. يلخص وائل أحمد، في حديثه مع رغد خضور، تجربة عائلته قائلاً: "لم تكن لدينا القدرة على شراء المازوت، فكان الحطب خيارنا للتدفئة". ويضيف أن توافر الحطب بكثرة خلال فصل الصيف أتاح لهم تأمين حاجتهم مسبقاً، مما ساعدهم على توفير جزء من دخلهم لمصاريف أخرى، مؤكداً أنه "متوفر، ويمكننا جمعه في وقت مبكر، لذلك يبقى خياراً أقل تكلفة مقارنة بالمازوت". هذه التجربة تعكس واقعاً تعيشه عائلات سورية عديدة، حيث تحول الحطب إلى وسيلة تدفئة أساسية لمواجهة موجات البرد القارس، رغم ما يترتب عليه من آثار بيئية متراكمة.
على الرغم من تحسن توفر مادة المازوت في الأسواق خلال العام الأخير، وسهولة الحصول عليها مقارنة بالسنوات السابقة، لا يزال الحطب الخيار الأول للتدفئة لدى شريحة واسعة من المواطنين. هذا الاعتماد المستمر أدى إلى تراجع مساحات واسعة من الغطاء النباتي وفقدان جزء من التنوع الحيوي، خاصة مع اتساع رقعة التحطيب لتشمل مختلف أنواع الأشجار، سواء كانت حراجية أم مثمرة. يوضح الخبير الزراعي أكرم عفيف أن المشكلة في سوريا لا تكمن في التحطيب بحد ذاته، بل في التحطيب الجائر وغير المنظم، الذي تفاقم بسبب الحاجة المتزايدة للتدفئة وغياب البدائل. وأشار عفيف، في حديثه لـ"الثورة السورية"، إلى أن التحطيب كان ممارسة تاريخية معروفة، خاصة لدى الأسر غير القادرة على شراء المازوت، حتى في فترات انخفاض أسعاره. لكن غياب التنظيم والرقابة خلال السنوات الماضية فتح الباب أمام استنزاف واسع للغابات، مما أدى إلى فقدان الأشجار الكبيرة وتدهور النظم البيئية، مؤكداً أن استمرار هذا الواقع يهدد ما تبقى من الغطاء النباتي.
يؤكد أكرم عفيف أن الغابات السورية فقدت جزءاً كبيراً من أشجارها، مما يستدعي تركيز الجهود على حماية ما تبقى منها وإعادة إحياء الغطاء النباتي. وفي هذا السياق، يلفت إلى وجود كميات كبيرة من بقايا المحاصيل الزراعية في مناطق عدة، مثل عيدان البامية والملوخية والذرة، والتي يمكن تحويلها إلى بدائل فعالة للتدفئة لو جرى استثمارها مبكراً. ويشدد على أن تكلفة هذه البدائل أقل بكثير من تكلفة الحطب، الذي يتراوح سعر الطن منه حالياً بين 1.2 و1.5 مليون ليرة سورية، مما يشكل عبئاً إضافياً على الأسر محدودة الدخل. ويرى عفيف أن حماية الغابات تتطلب خفض أسعار المحروقات، وتخصيص كميات كافية لكل أسرة، وتوفير بدائل عملية للتدفئة. كما يؤكد أهمية اعتماد تقنيات بديلة كآلات الفرم والمكابس لإنتاج كبسولات وقود من المخلفات الزراعية، مع تقديم قروض ميسرة لنشر هذه الحلول.
لمواجهة تراجع الغطاء النباتي، يؤكد الباحث في مركز البحوث العلمية الزراعية في اللاذقية، بشار طوبو، ضرورة اتخاذ حزمة متكاملة من الإجراءات التشريعية والإدارية والمجتمعية. ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات تشديد القوانين المنظمة لقطع الأشجار، بما في ذلك منع أي إجراء حراجي دون ترخيص، وفرض عقوبات رادعة على المخالفين. كما يشدد طوبو على أهمية مراقبة سلاسل توريد الأخشاب للحد من التجارة غير القانونية، وتحسين الإدارة الحراجية عبر وضع خطط مستدامة وتعزيز الشفافية في منح التراخيص، مع الاستفادة من التجارب الدولية. وفي الجانب المعيشي، يرى أن توفير بدائل للطاقة المنزلية كالغاز والطاقة الشمسية والوقود الحيوي يعد خطوة حاسمة لتقليل الاعتماد على الحطب. ويؤكد أن التوعية المجتمعية بمخاطر التحطيب على التربة والتنوع الحيوي والمناخ لا تقل أهمية عن الإجراءات القانونية، إضافة إلى دعم المجتمعات الريفية اقتصادياً لتخفيف الضغط على الموارد الحراجية.
في سياق متصل، تعمل وزارة الزراعة على حماية الحراج والغابات في سوريا، تطبيقاً لأحكام قانون الحراج رقم /39/ لعام 2023. أوضح مدير الحراج مجد سليمان أن القانون يحدد الإجراءات اللازمة لمنح الرخص، والحفاظ على التغطية الحراجية، ومعاقبة المخالفين، بالإضافة إلى تنظيم إدارة الحراج الخاصة وقطع الأشجار. وأشار إلى أنه في حال حدوث عمليات قطع دون موافقة الوزارة، يتم تنظيم ضبوط حراجية بحق المخالفين من قبل أفراد الضابطة الحراجية وإحالتها إلى الجهات المختصة. وبلغ عدد الضبوط الحراجية المتعلقة بالتحطيب والقطع غير النظامي هذا العام نحو 2239 ضبطاً، مع الإشارة إلى عدم وجود تقديرات رسمية لمساحة الغابات المتضررة نظراً لتفرق التعديات. للحد من هذه الظاهرة، تعمل الوزارة على زيادة عدد حراس المواقع وأفراد الضابطة الحراجية، وبيع 80% من الأحطاب الناتجة عن أعمال تربية وتنمية الغابات للمواطنين بأسعار رمزية لتخفيف الاحتطاب غير القانوني، فضلاً عن إصدار قرارات تسهل الحصول على موافقات ورخص القطع. وبخصوص الأسعار، أكد سليمان تحديد سعر طن الأحطاب الحراجية بموجب القرار رقم /1/ لعام 2025 بـ 700 ألف ليرة سورية أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي، بناءً على دراسة لأسعار الأحطاب في الأسواق المحلية.
وفي إطار تأهيل الغابات وإعادة التحريج، أوضح سليمان أن زيادة رقعة الحراج وتطويرها ودعم سياسة التحريج تمثل أحد أهداف الرؤية الوطنية للحراج. وأشار إلى أن الوزارة بذلت جهوداً كبيرة في أعمال التحريج وتأمين مستلزماته وإنتاج الغراس الحراجية بمواصفات فنية جيدة وملائمة بيئياً. ويتم ذلك من خلال إعادة تأهيل مساحات الغابات المتضررة ضمن الخطط السنوية، وإطلاق حملة وطنية للتجشير بالتزامن مع عيد الشجر، بمشاركة واسعة من جهات حكومية وأهلية وشعبية واتحادات ونقابات ومنظمات ومدارس وجامعات. تهدف هذه الحملة إلى توجيه جهود المجتمع المحلي نحو زراعة الأنواع المناسبة للمواقع الحراجية، وقد سجلت خطط التحريج الاصطناعي نسب إنجاز مرتفعة خلال السنوات الماضية.
في الختام، تواجه الغابات السورية اختباراً متجدداً مع كل شتاء، حيث يتقاطع البعد المعيشي القاسي مع هشاشة الواقع البيئي. فبين حاجة الأسر للتدفئة وغياب البدائل المستدامة، يستمر التحطيب كحل اضطراري على حساب الغطاء النباتي. ومع دخول فصل البرد، تبقى حماية ما تبقى من الغابات مرهونة بتوازن دقيق بين تأمين احتياجات المواطنين، وتفعيل التشريعات، وتسريع العمل على بدائل عملية تحد من استنزاف هذا المورد الطبيعي.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي