كارثة زراعية تلوح في ريف دير الزور الشرقي: تملّح الأراضي ونقص المياه يهدد سبل العيش والأمن الغذائي


هذا الخبر بعنوان "ريف دير الزور الشرقي: أزمة مياه و”تملّح” تهدد الأراضي الزراعية" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تشهد الزراعة في ريف دير الزور الشرقي تحديات متفاقمة تهدد بشكل مباشر أحد أهم مصادر العيش للسكان. تتصدر هذه التحديات ظاهرة "تملّح" أو "تسبيخ" الأراضي الزراعية، التي تشهد توسعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة. يعزى هذا التفاقم إلى تداخل عوامل اقتصادية وخدمية وبيئية، من أبرزها توقف زراعة مساحات واسعة من الأراضي، ونقص مستلزمات الإنتاج الأساسية، بالإضافة إلى الاعتماد المتزايد على مصادر مياه غير ملائمة لعمليات الري.
في هذا الصدد، أفاد نضال الدرويش، أحد سكان دير الزور، في تصريح لمنصة سوريا 24، بأن سبخ الأراضي الزراعية يُعتبر "نتيجة طبيعية لتوقف زراعة الأراضي". وأوضح الدرويش أن المزارعين أصبحوا غير قادرين على استثمار أراضيهم بسبب عدم توفر المحروقات الضرورية لتشغيل ماكينات سحب المياه من النهر، فضلاً عن غياب البذار والأسمدة، وارتفاع تكاليف حراثة الأرض ومصاريف الإنتاج بشكل عام.
وأشار الدرويش إلى أن هذه المشكلة لا تقتصر على قطعة أرض بعينها، بل تمتد لتشمل مساحات متجاورة، مؤكداً أن ظاهرة التملّح تتوسع ولا تتوقف عند حدود أرض واحدة. ويعزى ذلك إلى عجز الفلاحين عن القيام بعمليات غسيل واستصلاح التربة، نظراً لتكلفتها الباهظة التي تفوق قدرة الفلاحين أو أصحاب الأراضي على تحملها. وأضاف أن هذا الواقع ينعكس سلبًا وبشكل مباشر على المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، معتبراً أن التراجع المستمر في زراعة القمح والشعير والقطن يهدد "الناتج القومي رقم واحد في سورية"، خصوصاً في ظل غياب سياسات دعم حقيقية تحفز الفلاحين على العودة إلى أراضيهم.
وفيما يتعلق بدور المنظمات الدولية، بيّن الدرويش أن الدعم المقدم منها، والذي يشمل الأسمدة والبذار ومشاريع الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات السقاية، لا يغطي سوى 2 إلى 3 بالمئة فقط من احتياجات الأراضي المروية. ووصف هذا الدعم بأنه محدود وغير كافٍ لمعالجة أزمة متجذرة بهذا الحجم. كما أشار إلى أن انخفاض أسعار شراء المحاصيل من قبل الحكومة يمثل عاملاً إضافياً يدفع الفلاحين للابتعاد عن الزراعة، مؤكداً أن الأسعار الحالية لا تشجع على الاستمرار في الزراعة ولا تتناسب مع الجهد والتكاليف التي يتحملها المزارع.
من جانبهما، أفاد المزارعان مازن مطر ورياض العبد الله، في حديثهما لمنصة سوريا 24، بأن أراضي الريف الشرقي لمحافظة دير الزور تشهد تدهوراً كبيراً في الإنتاج الزراعي. وعزوا ذلك إلى المعاناة من ملوحة زائدة تؤثر سلبًا على خصوبة التربة. وأرجعا السبب الرئيسي لهذا التدهور إلى لجوء عدد كبير من المزارعين إلى حفر الآبار الارتوازية لسقاية أراضيهم، وذلك في ظل الصعوبة المتزايدة في الحصول على المياه العذبة من نهر الفرات.
وأوضح المزارعان أن المياه المستخرجة من هذه الآبار "غير صالحة للسقاية نظراً لارتفاع نسبة الملوحة فيها"، مما يؤدي إلى فشل زراعة الأراضي على المدى القريب، ويسرّع من عملية تصبيخها وتملّحها على المدى البعيد. وأضافا أن حفر هذه الآبار مكلف للغاية، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على خصوبة التربة، الأمر الذي يستدعي لاحقاً القيام بعمليات استصلاح معقدة وباهظة التكاليف.
وأفاد المصدران أن الاعتماد الواسع على الآبار الارتوازية بات ظاهرة عامة، على الرغم من إدراك المزارعين لتداعياتها السلبية، وذلك في ظل غياب بدائل ري عملية ومستدامة. كما لفتا إلى تقارير صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، والتي تشير إلى تراجع نسبة الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة إلى نحو 60 بالمئة. ووصفا هذا الرقم بأنه "مؤشر خطير" ينذر بتداعيات اقتصادية ومعيشية واسعة النطاق في المحافظة.
وأوضحا أن استصلاح هذه الأراضي في المستقبل "سيكلف الدولة أموالاً طائلة"، خاصة في ظل تزايد الصعوبات المتعلقة بجر المياه العذبة من نهر الفرات. فقد أصبحت هذه العملية تتطلب إمكانيات تقنية متقدمة ووقوداً لتشغيل محركات الضخ، وهو ما يتجاوز قدرة غالبية المزارعين.
وأكد المزارعان أن استمرار هذا الوضع يستدعي من الحكومة والمنظمات الدولية "النظر بجدية إلى هذا الملف الحيوي"، والعمل على إيجاد حلول عملية ومستدامة. ويجب أن تشمل هذه الحلول دعم مشاريع الري، وتأمين الوقود اللازم، وتوفير مستلزمات الإنتاج الأساسية، بالإضافة إلى إطلاق برامج حقيقية لاستصلاح الأراضي المتضررة، بما يساهم في تحسين الواقع المعيشي لسكان ريف دير الزور الشرقي.
في ظل اتساع رقعة الأراضي المتملحة وتراجع الجدوى الاقتصادية للزراعة، تقف الزراعة في ريف دير الزور الشرقي اليوم عند مفترق طرق حاسم. لم يعد تأجيل الحلول خياراً ممكناً، إذا ما أريد الحفاظ على الأرض كمصدر رزق وأمن غذائي في واحدة من أهم المناطق الزراعية في البلاد.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي