احتفالات ميلادية استثنائية تعم سوريا: بهجة الكنائس والساحات ولم شمل العائلات بعد سنوات


هذا الخبر بعنوان "سوريون يحيون عيد الميلاد في الكنائس والساحات" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهدت معظم المحافظات السورية هذا العام احتفالات ميلادية واسعة النطاق بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح في 25 من كانون الأول، حيث عمت أجواء الفرح الكنائس وامتدت إلى الشوارع والساحات العامة. برزت أحياء دمشق القديمة، التي تحتضن أكبر تجمع للكنائس لمختلف الطوائف المسيحية، كمركز لهذه المظاهر الاحتفالية.
أقيمت القداديس في كنائس سوريا بمشاركة حاشدة من أبناء الديانة المسيحية، وتخللتها عروض موسيقية قدمتها فرق الكشافة التابعة للكنائس، بالإضافة إلى كرنفالات ميلادية جابت شوارع دمشق. كما نظمت الكنائس بازارات ميلادية وأنشطة ترفيهية للأطفال، وشهدت إضاءة أشجار الميلاد التي تحولت إلى نقاط تجمع للأهالي والزوار، مما عكس تفاعلاً مجتمعياً كبيراً مع المناسبة وأعاد للأعياد حضورها النابض بالحياة، ورسخ عيد الميلاد كمناسبة تجمع السوريين على الفرح وتبادل التهاني.
احتفالات سادها الأمان
تميزت احتفالات هذا العام بطابع أوسع وأكثر حيوية مقارنة بعيد الميلاد الماضي، الذي تزامن مع مرحلة انتقالية حساسة أعقبت سقوط النظام، وما رافقها من فوضى أمنية وحالة عدم يقين دفعت العديد من الكنائس للاكتفاء بالصلوات الداخلية دون مظاهر احتفالية. بدت الأجواء مختلفة تماماً هذا العام، إذ استعادت الكنائس نشاطها الاجتماعي، وامتلأت ساحاتها بالزينة والأضواء، بينما جابت فرق الكشافة الشوارع المحيطة وهي تعزف التراتيل الميلادية.
شارك طوني رعيدي، أحد سكان حي باب توما في دمشق، في احتفالات عيد الميلاد التي وصفها بـ"الاستثنائية". حضر طوني مع عائلته قداديس العيد وشاهد عروض كشافات الكنائس دون هواجس أمنية كبيرة. وصرح طوني لعنب بلدي بأن الإجراءات الأمنية كانت واضحة لكنها غير خانقة، مما بث شعوراً بالطمأنينة بدلاً من الترهيب.
بالنسبة لطوني، تجاوز العيد كونه مناسبة دينية ليصبح إعلاناً غير مباشر عن بداية مرحلة جديدة، يشعر فيها المسيحيون بقدرة أكبر على ممارسة طقوسهم الدينية والاجتماعية بحرية، رغم المخاوف السابقة التي انتابت بعض أبناء الديانة المسيحية، خاصة بعد حادثة تفجير كنيسة "مار إلياس" بمنطقة الدويلعة في حزيران الماضي.
من جانبها، رأت كاترينا الصويري (22 عاماً) أن عيد الميلاد في العام الحالي يختلف جذرياً عن سابقه. ففي العام الماضي، لم تتمكن عائلتها من تزيين المنزل أو الخروج للاحتفال بسبب الفوضى وعدم الاستقرار الذي أعقب سقوط النظام السابق. أما هذا العام، فقد شاركت كاترينا في تنظيم بازار ميلادي داخل كنيستها، وعملت مع متطوعين آخرين على بيع منتجات يدوية وحلويات تقليدية.
ترى كاترينا أن ما ميز هذا العيد لم يكن الاحتفال بحد ذاته فحسب، بل الشعور الجماعي بالأمان، ووجود أمني حول الكنائس بهدف الحماية لا المنع، وهو ما أعاد الثقة لكثيرين بالخروج والمشاركة.
بازار الميلاد في كنيسة الزيتون بباب شرقي – 21 كانون الأول 2025 (عنب بلدي /كريستينا الشماس)
الميلاد يجمع العائلة
إلى جانب طابعه الديني والاجتماعي، حمل عيد الميلاد هذا العام بعداً عائلياً خاصاً، مع عودة عدد من المغتربين السوريين لقضاء العيد مع عائلاتهم. جاءت هذه العودة بفضل تحسن نسبي في الوضع الأمني وتأمين تسهيلات لهم على المعابر الحدودية.
عاد شربل محفوض، من أهالي بلدة صحنايا بريف دمشق والمقيم في هولندا، بعد غياب دام أكثر من سبع سنوات، للاحتفال مع عائلته بعيدي الميلاد ورأس السنة. وجدت عائلة شربل في عيد الميلاد فرصة لإعادة لمّ الشمل، حيث اجتمع الأبناء والأحفاد حول مائدة واحدة للمرة الأولى منذ سنوات.
لم يكن عيد الميلاد هذا العام عند شربل مجرد احتفال ديني، بل لحظة استعادة للروابط العائلية التي مزقتها الهجرة القسرية.
كما شكل عيد الميلاد هذا العام لحظة استثنائية لفاديا عوض (أم فادي)، التي استطاعت للمرة الأولى منذ نحو عشرة أعوام، أن تجتمع بابنيها اللذين لجآ إلى ألمانيا هرباً من الخدمة الإلزامية خلال حكم النظام السابق. اعتادت "أم فادي" الاحتفال بالعيد بغياب أبنائها، إلا أنها هذا العام وجدت نفسها تجلس معهم حول طاولة واحدة، في مشهد أعاد إليها معنى الميلاد الذي افتقدته طويلاً.
وترى أن هذا العيد كان مختلفاً عن كل ما سبقه، ليس من حيث الطقوس فقط، بل من حيث الشعور بالاكتمال العائلي، إذ عاشت تفاصيل العيد كما كانت تتمنى طوال سنوات الفراق، معتبرة أن "لمّة العائلة" أعادت للعيد روحه. ولم يقتصر عيد الميلاد عند "أم فادي" على الصلوات والزينة، بل تحول إلى محطة عاطفية أعادت وصل ما قطعته الهجرة القسرية، ورسخت لدى كثير من العائلات شعوراً بأن الأعياد لا تكتمل إلا بوجود الأحبة.
العيد مساحة مشتركة
لم تقتصر أجواء عيد الميلاد هذا العام على المسيحيين فقط، بل شهدت مشاركة لافتة من المسلمين في مختلف الفعاليات، سواء عبر حضورهم إلى الكنائس، أو مشاركتهم في إضاءة شجر الميلاد، أو التقاط الصور التذكارية في الساحات العامة. وشوهدت عائلات مسلمة تزور الكنائس في باب شرقي، في تقليد اجتماعي يعكس طبيعة العلاقة التاريخية بين مكونات المجتمع السوري.
أحمد سعد، شاب يعمل في مجال التصوير، وجد في عيد الميلاد فرصة لتوثيق مشاهد الفرح في منطقة باب شرقي، معتبراً أن العيد بات رمزاً للسلام والتعايش، وليس مناسبة دينية محصورة بطائفة معينة. وقال أحمد: "تمثل المشاركة في هذه الاحتفالات رسالة بأن السوريين، رغم ما مروا به، لا يزالون قادرين على الاجتماع حول الفرح".
واصطحبت إيمان محمد أطفالها لزيارة الكنائس، معتبرة أن عيد الميلاد يحمل بعداً إنسانياً قبل أن يكون دينياً. وترى إيمان أن وجود أطفالها أمام شجرة الميلاد ومشاركتهم المسيحيين احتفالاتهم، يعزز قيم المحبة والاحترام المتبادل.
سياسة
ثقافة
سوريا محلي
سياسة