ترامب والقوة الأمريكية: كشف جوهر الهيمنة من الجاذبية إلى الإكراه


هذا الخبر بعنوان "لاللقوة الناعمة مع أميركا و”ترامب”" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يُعرّف المهندس باسل قس نصر الله القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير من خلال الجاذبية لا القسر، وبالإقناع لا الإملاء. وقد صاغ هذا المفهوم المفكر الأميركي جوزيف ناي في كتابه "Bound to Lead" عام 1990، ليصبح لاحقًا أحد الركائز الأساسية للسياسة الأميركية. ويشبه الكاتب القوة الناعمة بالشيطان، فكلاهما يعمل بالإغواء.
بعد انتهاء الحرب الباردة، استغلت واشنطن أدوات مثل الثقافة، والدبلوماسية، والمؤسسات الدولية، وخطاب حقوق الإنسان كأدوات للنفوذ. لم يكن ذلك بدافع الحب للقيم، بل لكونها أقل تكلفة وأكثر قابلية للتسويق مقارنة بالقوة الصلبة. غير أن هذه المقاربة بدأت تتآكل مع فشلها في كبح جماح صعود القوى الدولية المنافسة، ومع تفاقم الأزمات التي عجزت "اللغة الناعمة" عن إدارتها بفعالية.
عند هذه النقطة المفصلية، جاء دونالد ترامب ليعلن صراحة ما كان يُقال همسًا. ففي خطاب تنصيبه رئيسًا لأميركا بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، أكد بوضوح أن زمن المجاملات قد ولى، وأن شعار "أميركا أولًا" يعني فرض المصالح دون التفاوض عليها.
منذ اللحظة الأولى، تحولت واشنطن من إدارة النفوذ إلى ممارسة الإكراه الصريح. ففي نيسان 2017، قصف ترامب قاعدة الشعيرات في سورية متجاوزًا مجلس الأمن، ليس دفاعًا عن القانون الدولي، بل لتكريس معادلة مفادها أن القوة الأميركية هي المرجعية العليا. وكما أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير في مذكراته حول قصف كوسوفو عام 1999: "نحن لا نستطيع فعل أي شيء بدون أميركا".
تلا ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 8 أيار 2018، ليؤكد أن التوافقات الدولية لم تعد مُلزمة إذا تعارضت مع المزاج الأميركي. وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الأميركي في حقبة ترامب الأولى، مايك بومبيو، حين تحدث عن "إعادة رسم قواعد الشرق الأوسط".
كانت سورية وما تزال إحدى أبرز الساحات التي شهدت هذا التحول. فواشنطن، في عهد ترامب، لم تسعَ إلى حل سياسي، بل إلى إدامة الصراع والتحكم بإيقاعه. وقد تُوِّج هذا النهج بإقرار قانون قيصر في حزيران 2020، الذي حوّل لقمة عيش السوريين إلى أداة ضغط سياسي. هنا، لم تعد العقوبات مجرد وسيلة، بل أصبحت سياسة بحد ذاتها، وعقابًا جماعيًا يُمارَس باسم "الأخلاق" و"الديمقراطية".
إن ما تعانيه سورية اليوم ليس فقط نتيجة حرب داخلية، بل هو نتاج مباشر لعودة أميركا إلى منطق القوة الصلبة، حيث تُدار الدول بالعقوبات، وتُخنق المجتمعات اقتصاديًا، وتُستبدل السياسة بإدارة الأزمات المفتوحة. وقد لخّص جون بولتون هذه الفلسفة عندما قال في آذار 2019 إن "الشرق الأوسط لا يُدار بالتوازنات بل بالقوة".
ما فعله ترامب لم يكن انقلابًا على السياسة الأميركية، بل كان كشفًا لجوهرها الحقيقي. سقطت الأقنعة الناعمة، وبقيت الهيمنة بلغة فظة. وسورية اليوم ليست استثناءً، بل مثالًا صارخًا على عالم يُعاد تشكيله بالقسر، حيث تُدفن الشرعية تحت ركام العقوبات، ويُترك شعب بأكمله رهينة لحسابات ترامب والقوة الأميركية. وكأن ترامب يتغنّى ببيت شعر نزار قباني في قصيدته "السيرة الذاتية لسيّاف عربي":
أيها الناس: لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلالٍ، واعبدونى …
إحمدوا الله على نعمته فلقد أرسلنى
كى أكتب التاريخ، والتاريخ لا يكتب دونى
الله اشهد أنني قد بلّغت (أخبار سوريا الوطن-2)
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة