تحول السياسة الأمريكية: من القوة الناعمة إلى الإكراه الصريح في عهد ترامب وتداعياته على سوريا


هذا الخبر بعنوان "“لا للقوة الناعمة مع أميركا وترامب”" نشر أولاً على موقع worldnews-sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تُعرّف القوة الناعمة بأنها القدرة على التأثير وجذب الآخرين دون اللجوء إلى القسر أو الإملاء، بل عبر الإقناع والجاذبية. هذا المفهوم، الذي صاغه المفكر الأمريكي جوزيف ناي في كتابه "Bound to Lead" عام 1990، أصبح لاحقًا ركيزة أساسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد شبه الكاتب القوة الناعمة بالشيطان، فكلاهما يعمل بالإغواء.
بعد انتهاء الحرب الباردة، استغلت واشنطن أدوات مثل الثقافة والدبلوماسية والمؤسسات الدولية وخطاب حقوق الإنسان لتعزيز نفوذها. لم يكن هذا بدافع الحب للقيم ذاتها، بل لأنها كانت أقل تكلفة وأكثر قابلية للتسويق مقارنة بالقوة الصلبة. إلا أن هذه المقاربة بدأت تفقد فعاليتها مع صعود قوى دولية منافسة وفشل "اللغة الناعمة" في إدارة الأزمات المتفاقمة.
عند هذه النقطة الفاصلة، جاء دونالد ترامب ليعلن صراحة ما كان يُقال همسًا. ففي خطاب تنصيبه رئيسًا لأميركا بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، أكد بوضوح أن زمن المجاملات قد ولى، وأن مبدأ "أميركا أولًا" يعني فرض المصالح الأمريكية لا التفاوض عليها.
منذ اللحظة الأولى، تحولت واشنطن من إدارة النفوذ إلى ممارسة الإكراه الصريح. ففي نيسان 2017، قصف ترامب قاعدة الشعيرات في سورية متجاوزًا مجلس الأمن، ليس دفاعًا عن القانون الدولي، بل لتكريس معادلة مفادها أن القوة الأميركية هي المرجعية العليا. وكما أشار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير في مذكراته حول قصف كوسوفو عام 1999: "نحن لا نستطيع فعل أي شيء بدون أميركا".
تلا ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في 8 أيار 2018، ليؤكد أن التوافقات الدولية لم تعد ملزمة إذا تعارضت مع المزاج الأمريكي. وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الأمريكي في حقبة ترامب الأولى، مايك بومبيو، عندما تحدث عن "إعادة رسم قواعد الشرق الأوسط".
لقد كانت سورية وما تزال إحدى أبرز الساحات التي شهدت هذا التحول. ففي عهد ترامب، لم تسعَ واشنطن إلى حل سياسي للصراع، بل إلى إدامته وضبط إيقاعه. وتُوِّج هذا النهج بإقرار قانون قيصر في حزيران 2020، الذي حوّل لقمة عيش السوريين إلى أداة ضغط سياسي. هنا، لم تعد العقوبات مجرد وسيلة، بل أصبحت سياسة بحد ذاتها، وعقابًا جماعيًا يُمارس باسم "الأخلاق" و"الديمقراطية".
إن ما تعانيه سورية اليوم ليس نتيجة حرب داخلية فحسب، بل هو نتاج مباشر لعودة أميركا إلى منطق القوة الصلبة، حيث تُدار الدول بالعقوبات، وتُخنق المجتمعات اقتصاديًا، وتُستبدل السياسة بإدارة الأزمات المفتوحة. وقد لخص جون بولتون هذه الفلسفة عندما قال في آذار 2019 إن "الشرق الأوسط لا يُدار بالتوازنات بل بالقوة".
إن ما فعله ترامب لم يكن انقلابًا على السياسة الأمريكية، بل كشفًا لجوهرها الحقيقي. لقد سقطت الأقنعة الناعمة، وبقيت الهيمنة بلغة فظة. وسورية اليوم ليست استثناءً، بل هي مثال صارخ على عالم يُعاد تشكيله بالقسر، حيث تُدفن الشرعية تحت ركام العقوبات، ويُترك شعب بأكمله رهينة لحسابات ترامب والقوة الأمريكية. وكأن ترامب يتغنّى ببيت شعر نزار قباني في قصيدته "السيرة الذاتية لسيّاف عربي":
أيها الناس: لقد أصبحت سلطانا عليكم
فاكسروا أصنامكم بعد ضلالٍ، واعبدونى …
… إحمدوا الله على نعمته فلقد أرسلنى
كى أكتب التاريخ، والتاريخ لا يكتب دونى
الله اشهد أنني قد بلّغت.
المصدر: شبكة أخبار سوريا والعالم/ worldnews-sy.net دمشق – المهندس باسل قس نصر الله
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة