الليرة السورية في مهب التقلبات: تداعيات اقتصادية واجتماعية على الأسواق والمواطنين


هذا الخبر بعنوان "الليرة السورية رهينة التقلبات والأسواق تدفع الثمن" نشر أولاً على موقع North Press وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
تشكل قيمة العملة المحلية في أي بلد مؤشراً حيوياً على صحة اقتصاده واستقراره. وفي سوريا، تحول تتبع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي إلى روتين يومي يحدد مسار الأسواق ومصير المعاملات التجارية.
شهد سعر الصرف خلال الأشهر الأخيرة دوامة من التقلبات الحادة والمتسارعة، حيث تتوالى الارتفاعات والانخفاضات الكبيرة في فترات زمنية قصيرة، دون أن يستقر عند مستوى معين يسمح باستعادة الثقة أو التخطيط السليم. هذه التذبذبات لم تعد مجرد أرقام تُعلن في محلات الصرافة أو على الشاشات، بل غدت عاملاً مباشراً للضغط على كافة مناحي الحياة الاقتصادية. فهي تؤثر على أسعار السلع الأساسية والكمالية على حد سواء، وتحدد قدرة السكان على تأمين احتياجاتهم، كما تشكل تهديداً مباشراً لرأس مال التجار واستمرارية أعمالهم، خاصة أولئك الذين يتعاملون بسلع مستوردة أو مرتبطة بسعر الصرف العالمي.
في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك، م. عبد الرزاق حبزة، في حديثه لـ نورث برس، أن: "في ظل اقتصاد متهالك، تؤثر الشائعات والقرارات الدولية والإقليمية بشكل مباشر على سعر صرف الليرة. وفي ظل غياب سياسة حكومية واضحة، يؤدي ذلك إلى تذبذب السعر، مما يهيئ الفرصة للمضاربين للتلاعب أكثر بسعر الصرف." أما بخصوص قانون قيصر، فيرى حبزة أن "قرار رفع العقوبات الأميركية ليس له تأثير فوري على انخفاض سعر الصرف، لكن بسبب التأثير النفسي أدى إلى انخفاض وهمي وغير حقيقي، لأن تحسن الليرة واستقرارها مرتبط بتحرك الاقتصاد الوطني."
ويشير حبزة إلى أن "السبب المباشر والرئيسي يحدث داخلياً من خلال التجار وحفاظهم على الأسعار والمواد وعدم انسيابها بالأسواق، وبالاتفاق بين بعض التجار يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أولاً. وثانياً، تغير سعر الصرف الحكومي، فمثلاً الحكومة تسعر المحروقات والنفط بالدولار، والدولار غير منضبط بسعره، وتعطي سعراً ثابتاً في البنك المركزي 11500 ليرة سورية، وهذا يدل على أن الجهات الحكومية لديها سعران لسعر الصرف، وهذا خلل في إدارة الاقتصاد، والحلقة الأضعف هنا هي المواطن."
ويوضح حبزة أن بعض التجار يضيفون قيمة إضافية، "فمثلاً إذا كان سعر الصرف 11 أو 12 ألف ليرة، يتعاملون على أنه 13 أو 14 ألفاً كنوع من الاحتياط لعدم ثقتهم بالليرة السورية. ويلجأ بعض تجار الجملة ونصف الجملة والمفرق إلى مجموعات واتساب لإبلاغ بعضهم البعض عن التغيير اللحظي لقيمة المنتج بالدولار ومبيعه بالليرة السورية."
ويرى حبزة أن الحلول التي تساهم في استقرار العملة والاقتصاد السوري تبدأ بدعم الحكومة للمنتج المحلي والمواد الأولية الداخلة في الإنتاج، وتلبية حاجة الفلاح الأساسية، بالإضافة إلى مساعدة التجار والصناعيين عن طريق تخفيض نسب الجمارك والضرائب المفروضة عليهم، وعن طريق إلغاء قرار رفع أجور الكهرباء، لأن هذا الارتفاع سيُحمّل السلعة قيمة إضافية يدفعها المواطن.
من داخل سوق الحميدية، يقول التاجر فوّاز عقّاد لـ نورث برس: "عدم استقرار الليرة يسبب مشكلات واضطرابات في السوق، فالصعود والنزول يؤدي لمشكلات في التداول التجاري، كما أن الذبذبة في ساعات اليوم الواحد ذاته تؤدي لتخبط في أسعار السلع. طالبنا غرفتي الصناعة والتجارة في دمشق منذ سقوط النظام باستقرار سعر صرف الليرة أمام الدولار، لكن الرد يكون بأن الوضع اليوم مو بإيدنا، وهناك عدم استقرار بالبلد."
ويضيف عقّاد: "في المصرف المركزي السعر هو 11500 ليرة سورية، وبالسوق السوداء 11700 و11800 وغيرها. هذا الفرق بين السعرين يؤدي إلى تخبط في أسعار البضائع والمنتجات المتوفرة في السوق. ففي حالة ارتفاع سعر الصرف يتضرر المستهلك، وفي نزول أو تحسن الليرة يتضرر التاجر الذي اضطر لشرائها بسعر مرتفع مسبقاً. واليوم بعض التجار يحتسبون قيمة إضافية فوق سعر الدولار لحماية أنفسهم من الصعود المفاجئ، وربما هناك ما يبرر بأنهم فعلاً اشتروا بضاعتهم بـ 12000 وحدث ارتفاع إلى 12200، وبالتالي هذه القيمة الإضافية خففت من خسارتهم في البضاعة ورأس المال."
أما التاجر طارق جانو فيوضح لـ نورث برس: "الثباتية في سعر الصرف هي الأفضل للاقتصاد السوري وللتعامل بين الناس، خاصة أن بعض المواطنين يؤجلون مشترياتهم حتى استقرار السعر. كتجربتنا، اعتمدنا الليرة السورية في تعاملنا التجاري، خاصة بعد توفر المواد النفطية والمواد الأولية، مما سمح بوجود منافسة بين التجار وأدى لانخفاض في الأسعار، لكن أعتقد أن سعر الكهرباء سيؤثر على سعر المنتجات ومبيعها."
رائد توتنجي، وهو تاجر في العاصمة دمشق، يؤكد أن أي استقرار في سعر الليرة سيؤدي إلى ثبات في الأسواق، وعندها يستطيع التاجر معرفة رأس المال اللازم للبضاعة. أما في حال التذبذب، فسيخسر التاجر أحياناً وسيُظلم المشتري بسعر المنتج، كما أن الحركة الشرائية تتأثر بشكل واضح، إذ يمتنع التجار والسكان عن عمليات البيع والشراء لعدم وجود سعر واضح.
ويضيف توتنجي خلال حديثه لـ نورث برس: "تداول سعر وهمي بين الناس هو جزء من الأسباب التي تؤدي لعدم الاستقرار، فمنذ ساعات الصباح حتى المساء يرتفع وينخفض سعر الصرف مرات ومرات، وبالنهاية السوريون بحاجة لسعر ثابت كي لا تصبح حركة السوق راكدة."
يشير الواقع في السوق إلى أن حالة عدم الاستقرار في قيمة الليرة تسبب انكماشاً في الحركة الاقتصادية واتساعاً في رقعة الخسائر على مستوى التجار والمواطنين على حد سواء. ما يؤثر على ديناميكيا الشراء والبيع، فالتجار يُعدّلون استراتيجياتهم في التعامل مع البضاعة والمخزون، والمستهلكون يُعيدون ترتيب أولويات إنفاقهم. هذه التعديلات في السلوكيات الاقتصادية تمثل استجابة طبيعية لبيئة تتميز بعدم الاستقرار النقدي، فيما يبقى ترقب الاستقرار وتعافي الليرة عالقاً، وبانتظار حلول جذرية للأزمة التي طال أمدها. تحرير: معاذ الحمد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد