الفراغ التشريعي في سوريا: جدل قانوني حول شرعية المراسيم والاتفاقيات الحكومية


هذا الخبر بعنوان "الفراغ التشريعي يطرح تساؤلات حول قانونية المراسيم والاتفاقيات" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
بينما تواصل السلطة التنفيذية في سوريا إدارة شؤون الدولة وإصدار مراسيم تؤثر على جوانب قانونية واقتصادية، يظل مجلس الشعب غائبًا عن المشهد، مما يخلق فراغًا تشريعيًا يعيق استكمال العمل. على الرغم من تصريح وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 2 من تشرين الثاني الماضي، بأن الجلسة الأولى للمجلس الجديد ستُعقد في نهاية الشهر نفسه، إلا أن المجلس لم يُشكَّل بعد، ولا يزال ينتظر تعيين الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية.
من جانبه، أوضح الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال زيارته إلى مدينة حلب في 30 من تشرين الثاني الماضي، أن تأخر الإعلان عن الأعضاء السبعين الذين سيختارهم يعود إلى تعقيدات مرتبطة بآلية الاختيار والواقع المجتمعي القائم. وأشار الشرع إلى أن الاستقطاب الاجتماعي في سوريا قد يؤدي إلى نتائج لا تمثل المجتمع بأسره، مما استدعى التريث ودراسة دقيقة للخلل الناتج عن العملية الانتخابية قبل استكمال التشكيل. وأضاف أن الهدف ليس تشكيل مجلس شكلي يعتمد على التوازنات فحسب، بل اختيار شخصيات تتمتع بالخبرة والقدرة الحقيقية على سن القوانين، في مرحلة وصفها بأنها إعادة بناء للدولة وصياغة قانون ورؤية جديدة تتناسب مع الواقعين الإقليمي والدولي.
لا يتيح الإعلان الدستوري، الذي صدّق عليه الرئيس السوري أحمد الشرع في آذار الماضي، أي آلية لسن القوانين خارج إطار السلطة التشريعية. وتقتصر صلاحيات السلطة التنفيذية على إصدار المراسيم التنظيمية والإدارية والفردية، دون أن تشمل القوانين.
الباحث في مركز "الحوار السوري"، نورس العبد الله، أوضح لعنب بلدي أنه لا يمكن للسلطة التنفيذية إصدار أي قانون في ظل غياب السلطة التشريعية، ولا يوجد أي اجتهاد فقهي رصين يجيز لها ذلك. وأكد أن ما تملكه السلطة التنفيذية حاليًا هو إصدار المراسيم التنظيمية أو الإدارية والمراسيم الفردية، وليس القوانين. وتابع العبد الله أن كل ما صدر حتى الآن كان تحت ضغط "الضرورة الواقعية"، ومع تأخر تشكيل مجلس الشعب، يجب التمييز بين نمطين من المراسيم: الأول، تلك التي تندرج ضمن عمل السلطة التنفيذية مثل التعيينات وما يضمن حسن سير الإدارة العامة. والثاني، المراسيم ذات الطابع التشريعي التي ستُعرض لاحقًا على مجلس الشعب كمشروع قانون، وفي حال إقرارها، ستصدر كقانون.
من جهته، يرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي أن الإعلان الدستوري لم يضع أي آلية مؤقتة لسد الفراغ التشريعي، مما دفع البلاد للاعتماد كليًا على مراسيم تصدر عن رئاسة الجمهورية كحل استثنائي فرضته الحاجة، لكنه يظل بلا سند دستوري واضح. ويذهب الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة إلى أن ما يصدر اليوم يندرج ضمن "تشريعات أمر واقع" صادرة عن سلطة غير دستورية، ولا تحترم حتى القواعد التي وضعها الإعلان الدستوري نفسه. ويشكك دلة في قدرة أي مجلس شعب يُعيّن لاحقًا على إحداث تغيير جوهري، معتبرًا أنه سيكون أقرب إلى أداة تصديق على ما صدر، لا سلطة مراجعة مستقلة.
يثير غياب مجلس الشعب، ومعه غياب قضاء دستوري مستقل، تساؤلات حول إمكانية الطعن أو مراجعة المراسيم الصادرة حاليًا في المستقبل. في هذا الصدد، يرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي أن "البرلمان المقبل" يمتلك صلاحية مطلقة تجاه كل ما صدر منذ الإعلان الدستوري، سواء بالإلغاء أو التعديل أو الإبقاء، مستندًا إلى المادة "30" من الإعلان الدستوري التي تحصر هذه الصلاحيات بالسلطة التشريعية، مما يجعل المراجعة ممكنة ضمن الإطار البرلماني.
بالمقابل، يشكك الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة بجدوى هذا المسار برمته، إذ يرى أن أي مجلس يُشكَّل بآلية تعيين من السلطة التنفيذية لن يشكّل ضمانة فعلية للمراجعة، بل سيكرس التشريعات القائمة. ويضيف أن غياب آليات قضائية مستقلة، وعلى رأسها محكمة دستورية عليا منبثقة عن مسار وطني، يجعل الحديث عن الطعن أمام القضاء أقرب إلى نقاش نظري بلا قيمة عملية.
تواصل الحكومة السورية إدارة شؤون البلاد بالاستناد إلى القوانين النافذة في عهد النظام السابق، مع إدخال التعديلات التي نص عليها الإعلان الدستوري، في ظل عجز الحكومة الجديدة عن مقاربة الملفات التي تستوجب تشريعات حديثة، نتيجة غياب سلطة تشريعية قادرة على سنّ القوانين أو التصديق عليها بما ينسجم مع الواقع المستجد. وقد أفضى هذا الفراغ إلى صدور قرارات لا تحظى بسند تشريعي واضح، وبعضها يتعارض مع الأطر الدستورية السابقة، كما انعكس غياب المجلس التشريعي على عمل السلطة القضائية، التي تواجه اليوم شللًا جزئيًا في البت بقضايا عديدة لافتقارها إلى قوانين تستند إلى مرجعية تشريعية قائمة.
يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" نورس العبد الله أن غياب السلطة التشريعية اليوم أنتج فجوة كبيرة يجب أن تُسد بأسرع ما يمكن، وأن أضرار تأخر تشكيل مجلس الشعب أكبر من فوائد الانتظار. لكنه يضيف أن المخاطر القانونية ليست حاضرة بدرجة كبيرة، لأن تصديق أو رفض أي قوانين أو اتفاقيات مستقبلية سيكون حكرًا على المجلس ضمن اختصاصه وإن تأخر ذلك، وهذا قد يكون من أوجه التكامل بين السلطات في هذه المرحلة الحساسة، ويخفف الضغط عن السلطة التنفيذية في السياق الانتقالي.
من جانبه، صرح عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أنس العبدة، أن نحو 800 قانون سارٍ في سوريا تسبب ضغطًا كبيرًا على المواطنين والوزارات وتحتاج إلى إعادة نظر للتعديل أو الإلغاء. وأضاف العبدة في مقابلة مع قناة "الإخبارية السورية" الحكومية، في 1 من تشرين الثاني الماضي، أن القوانين والتشريعات تمرر وفق موافقة الأغلبية أو الثلثين عند الحاجة، مشيرًا إلى أن المجلس سيعمل على إقرار قوانين تعزز الخدمات وتخفف الأعباء عن المواطنين.
أبرمت الحكومة السورية خلال الفترة الماضية سلسلة من الاتفاقيات باسم الدولة السورية، في وقت كانت فيه البلاد تفتقر إلى سلطة تشريعية قائمة تُخوَّل دستوريًا بالتصديق على هذا النوع من الالتزامات. وبينما يجيز الإطار الدستوري للسلطة التنفيذية توقيع الاتفاقيات، فإن نفاذها القانوني يظل مشروطًا بعرضها على مجلس الشعب وإقرارها، ولا سيما تلك التي ترتب التزامات طويلة الأمد أو تمس السيادة والموارد العامة.
وفقًا للباحث في مركز "الحوار السوري" نورس العبد الله، عند الحديث عن الاتفاقيات الدولية، يجب التوقف عند قضيتين: الأولى، ما جاء في الإعلان الدستوري. والثانية، مبادئ القانون الدولي العام. فعلى صعيد الإعلان الدستوري، نصت المادة "30" بوضوح على اختصاص مجلس الشعب بالتصديق على المعاهدات الدولية، وهو إجراء لاحق للتوقيع الذي يرتبط بالسلطة التنفيذية. وتابع العبد الله حديثه إلى عنب بلدي، موضحًا أن هناك نوعًا آخر من المعاهدات والاتفاقيات تُعرف بالاتفاقيات بالشكل البسيط أو الاتفاقات التنفيذية أو الفنية، والتي لا تتطلب تعديلًا قانونيًا أو ترتب التزامات تشريعية أو قضايا تمس السيادة كالحدود، وهذه لا تحتاج إلى التصديق.
ويرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي، في حديثه إلى عنب بلدي، أنه بموجب المادة "30" من الإعلان الدستوري، فإن إقرار المعاهدات الدولية هو من اختصاص "البرلمان". لذا، فإن توقيع أي اتفاقية ترتب التزامات اقتصادية أو عسكرية أو أمنية على البلاد، يفترض عرضها عليه حتى تأخذ الصفة القانونية. وقبل عرضها على "البرلمان"، لا تعتبر الاتفاقية ملزمة للدولة السورية بموجب الإعلان الدستوري، ويبقى الوضع القانوني لأي اتفاقية دولية يتم توقيعها دون موافقة "البرلمان" "ناقصًا".
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة