المؤسسة السورية للمخابز تحقق وفرًا يوميًا بـ 1000 طن من الطحين: سياسات مكافحة الهدر وأثرها الاقتصادي والغذائي


هذا الخبر بعنوان "“المخابز” توفر ألف طن من الطحين يوميًا.. الأسباب والفوائد" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أعلنت المؤسسة السورية للمخابز عن تحقيق وفر يومي يقارب 1000 طن من الطحين في جميع المخابز العامة والخاصة المدعومة على مستوى سوريا. يأتي هذا الإنجاز نتيجة لسياسات وإجراءات اتبعتها المؤسسة خلال عام 2025، بهدف الحد من الهدر، وتحسين كفاءة الإنتاج، ومكافحة الفساد في الأفران.
تُقدر القيمة السوقية لهذا الوفر بأكثر من 110 ملايين دولار سنويًا، وقد أسهم بشكل مباشر في تعزيز الأمن الغذائي، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى تخفيف الضغط المالي عن خزينة الدولة، كل ذلك دون المساس بكميات الخبز المتاحة للسكان.
أوضح محمد عبد السميع الأعرج، مدير مديرية التخطيط والإحصاء والتعاون الدولي في المؤسسة السورية للمخابز، في تصريح خاص لعنب بلدي، أن الهدف الأساسي من هذه الإجراءات لم يكن تحقيق وفورات مالية مباشرة بقدر ما كان يرمي إلى الحد من هدر الطحين والمواد المدعومة، بما يعزز المال العام ويخفف العبء عن خزينة الدولة.
وقد تم ذلك عبر مجموعة من الخطوات التنظيمية والفنية، أبرزها:
وأكد الأعرج أن هذه الإجراءات ساهمت في تقليل الهدر ومنع تسرب المواد المدعومة، مما انعكس إيجابًا على المال العام، دون أن يعني ذلك تحقيق وفر مالي نقدي مباشر.
كشف الأعرج أن الخروقات السابقة كانت السبب الرئيسي في هدر الطحين والمواد المدعومة، ومن أبرزها:
من جانبه، أفاد حسن عثمان، مدير المؤسسة السورية للحبوب، لعنب بلدي، بأن القمح يوزع حاليًا على المحافظات بناءً على الاحتياجات الفعلية، سواء على مستوى الصوامع أو المطاحن. ويجري طحن ما يقارب 140 ألف طن شهريًا، بينما تتراوح الكميات الموزعة بين 115 و120 ألف طن حسب الحاجة.
وأضاف عثمان أن المؤسسة تعتمد على خلط القمح، بما في ذلك القمح البلدي القاسي، ضمن خلطات محددة تهدف إلى تحسين جودة الطحين. وبيّن أن مفهوم الأمن الغذائي لا يقوم على الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يعتمد في الوقت الراهن على الاستيراد المضمون، خاصة في ظل غياب الاكتفاء الذاتي الحقيقي الذي يتحقق عبر السوق المحلية ومن خلال شراء المحاصيل من المزارعين. وأشار إلى أن هذا الواقع تشترك فيه نحو 90% من دول العالم.
مثّلت هذه الإجراءات نموذجًا عمليًا لكيفية تحسين إدارة الموارد الأساسية وتقليل الهدر، مع الحفاظ على حقوق المواطنين في الحصول على الخبز المدعوم. فقد ساعدت في رفع جودة الرغيف وتوفيره بالكميات الكافية لجميع السكان، وتخفيف أعباء الدعم المالي عن الدولة، مما عزز استدامة الموارد العامة وكفاءة الأداء المؤسسي من خلال تدريب الكوادر وتطوير خطوط الإنتاج.
ويرى أمين سر "جمعية حماية المستهلك"، عبد الرزاق حبزة، أن هناك عوامل متعددة أسهمت في ما يوصف بالوفورات في مادة الطحين، أبرزها تحسن جودة رغيف الخبز، فالرغيف الجيد يحد بطبيعته من حالات الهدر، على عكس الخبز منخفض الجودة الذي غالبًا ما يرمى أو يستخدم لغايات غير استهلاكية.
إلى جانب ذلك، أدى ارتفاع سعر الخبز إلى تقليص الكميات التي يشتريها المواطن ويحتفظ بها، ما انعكس تراجعًا في حجم الطلب. كما أن باعة الخبز في الأسواق يشترون كمياتهم بأسعار مرتفعة نسبيًا، الأمر الذي يقلل طلبهم على الخبز من داخل كوات البيع الرسمية.
عامل آخر لا يقل أهمية يتمثل في استخدام الخبز كأعلاف، وهو أمر بالغ الخطورة، بحسب حبزة. وقد أسهم الحد من استخدام الخبز في الأعلاف في تخفيف الضغط عن هذه المادة، كما أن تحسن جودة الخبز وارتفاع سعره قلص اللجوء إلى استخدامه كعلف، بعدما بات أقل ملاءمة لهذا الغرض، ما دفع المربين إلى الاستعاضة عنه بأنواع أخرى من الأعلاف.
ولفت حبزة إلى أن لتقسيم الخبز إلى سياحي وتجاري وتمويني أثرًا واضحًا، إذ جرى إلغاء قسم من الخبز التمويني وتحويله إلى خبز تجاري بسعر أعلى من السعر التمويني، ما حمّل المستهلك أعباء مالية إضافية للحصول على الخبز الذي لم يعد قادرًا على تأمينه من القنوات التموينية. هذه التقسيمات أسهمت في تحقيق وفورات في كميات الطحين، لكنها جاءت على حساب المواطن، من خلال تحميله تكاليف إضافية وزيادة العبء المعيشي عليه.
ونوه أمين سر الجمعية إلى أنه في المدى المستقبلي، تكمن الخطورة الأساسية في الاعتماد المتزايد على الاستيراد، الأمر الذي يستدعي التوجه نحو استثمار الأراضي الزراعية المتاحة، ودعم الفلاحين عبر تأمين مدخلات الإنتاج الأساسية، مثل الوقود والأسمدة والمبيدات، إضافة إلى تكاليف العمالة والنقل، باعتبار أن جميع هذه العناصر تؤثر بشكل مباشر في تكلفة الإنتاج الزراعي.
ارتفع عدد المخابز العاملة في سوريا إلى 288 مخبزًا، بعد أن كان عددها 217 مخبزًا، حيث كان معظمها يعاني من ضعف في البنية التحتية، وأعطال في خطوط الإنتاج، بالإضافة إلى هدر كبير في الطحين والمواد المدعومة.
شمل التوسع في العدد تأهيل البنية التحتية وتشغيل المخابز المتوقفة عن العمل لتلبية الاحتياجات المتزايدة في سوريا، وذلك ضمن محاولات وزارة الاقتصاد والصناعة والمؤسسة السورية للمخابز لتوسيع نطاق الخدمة وتحسين جودة الخبز. فقد سعت المؤسسة إلى إعادة تأهيل المخابز على نطاق واسع، إذ أعيد تشغيل 52 مخبزًا بشكل كلي أو جزئي بعد إجراء أعمال صيانة وتجهيز خطوط الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، دخل 56 مخبزًا كان متوقفًا عن العمل قبل التحرير حيّز الخدمة بعد تأهيلها، ما أسهم في رفع الطاقة الإنتاجية وتأمين توفير الخبز للمواطنين بكفاءة أعلى.
وتضمن التطوير الفني تحديث خطوط الإنتاج، فقد تم تركيب 40 خط إنتاج جديدًا، وإدراج 80 خط إنتاج إضافيًا ضمن خطة المؤسسة لاستبدالها وتحسين كفاءتها. أسهمت هذه الخطوات في تحسين جودة رغيف الخبز بنسبة 70%، وتقليص الهدر في المواد الأولية من 27% قبل التحرير إلى نسب أقل بعد تطبيق الإجراءات الجديدة، ما انعكس إيجابًا على كفاءة الاستهلاك وتقليل الدعم المالي المطلوب.
عززت المؤسسة من إجراءات الرقابة لضمان الامتثال للمعايير وتقليل الفاقد، لمنع الهدر خلال مراحل الإنتاج والنقل، وضبط كميات الطحين والخميرة والمواد الداخلة في الإنتاج وفق معايير فنية دقيقة، من خلال تنفيذ 2,925 جولة رقابية بعد التحرير على المخابز والمطاحن.
كما أنجزت 52 مشروعًا بالتعاون مع المنظمات المحلية والدولية لدعم جودة الإنتاج وتحسين معايير التشغيل. ولضمان استدامة الكفاءة، ركزت المؤسسة على تأهيل كوادرها، فقد تم تنفيذ 18 دورة تدريبية للموظفين والعاملين في المخابز، استفاد منها 119 موظفًا، ما ساعد على رفع مهاراتهم في مراقبة الإنتاج وتطبيق المعايير الفنية وتجنب الهدر.
يُذكر أن الخبز المدعوم في سوريا شكّل على مدى سنوات أحد أكثر الملفات حساسية، في ظل تراجع الإنتاج المحلي من القمح، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وتضرر البنية التحتية للمخابز والمطاحن نتيجة الحرب. وقد عانى هذا القطاع في فترات سابقة من اختناقات متكررة، وتفاوت في جودة الرغيف، إضافة إلى انتشار الهدر والتسرب والفساد في بعض حلقات الإنتاج والتوزيع، ما شكّل عبئًا على خزينة الدولة وهدد استقرار الأمن الغذائي لملايين السوريين.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد