حمص: اكتشافات متوالية لمقابر جماعية تكشف فظائع الماضي وتطرح تحديات التوثيق وتحديد الهوية


هذا الخبر بعنوان "مقابر جماعية تُكتشف تباعًا في حمص" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شكلت حمص، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، مركزاً حيوياً للمظاهرات والاحتجاجات التي بدأت سلمية ثم تحولت إلى مسلحة. واجه النظام السابق هذه التحركات بالرصاص والمدافع والنهج الطائفي، مرتكباً مجازر وعمليات تصفية خارج القانون، ومخفياً جثث الضحايا في مقابر جماعية تتوالى اكتشافاتها بعد سقوط نظام الأسد المخلوع في كانون الأول 2024. ولا يزال أهالي الضحايا الذين أخفاهم جنود الأسد و"شبيحته" يجددون سؤالهم عن مصير مفقوديهم.
تكررت خلال الأشهر الأخيرة إعلانات العثور على مقابر جماعية في أحياء وقرى متفرقة من محافظة حمص، شملت كرم الزيتون ودير بعلبة داخل المدينة، وصولاً إلى المخرم وتلكلخ وريف حمص الغربي والشرقي. يعيد هذا المشهد استحضار ذكريات القتل والتصفية الميدانية في واحدة من أكثر المحافظات السورية تعرضاً للعنف الممنهج منذ بدايات الثورة السورية.
على الرغم من بدء استجابات ميدانية من الدفاع المدني والهيئة الوطنية للمفقودين، لا تزال عملية التوثيق وتحديد الهوية في مراحلها الأولى، وسط نقص في الخبرات والبيانات، وغياب إطار قانوني شامل ينظم هذا الملف.
رصدت عنب بلدي 11 مقبرة جماعية، استناداً إلى بيانات رسمية وتصريحات جهات مختصة ومصادر مفتوحة، تم اكتشافها بعد سقوط النظام. تركزت هذه الاكتشافات في أحياء داخل مدينة حمص، مثل كرم الزيتون ودير بعلبة، بالإضافة إلى مناطق في الريف الغربي والشرقي، منها تلكلخ وقلعة الحصن والمخرم والقبو. عُثر على رفات مدنيين، بينهم نساء وأطفال، في آبار مياه وخزانات ومواقع كانت خاضعة لسيطرة قوى عسكرية وأمنية خلال سنوات سابقة.
قال مدير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، دياب سرية، إن حمص لُقبت بـ"عاصمة الثورة" نظراً لنشاطها الثوري واتساع المواجهات فيها بين الثوار ومناصري النظام السابق، ما جعلها مسرحاً لمجازر وعمليات تصفية واسعة، سواء على الحواجز أو خلال الاقتحامات، الأمر الذي دفع إلى دفن الضحايا بشكل جماعي وسري في مواقع متفرقة. وأضاف سرية أن بعض هذه المقابر ارتبط بمسارات اعتقال وتعذيب انتهت بالقتل، لافتاً إلى دور مستشفى "حمص" العسكري خلال تلك الفترة، باعتباره أحد الأماكن التي شهدت عمليات تصفية خارج الأطر القانونية.
تبدأ الاستجابة الرسمية لاكتشاف المقابر الجماعية في حمص منذ لحظة تلقي البلاغ، حيث يجري التنسيق مع الهيئة الوطنية للمفقودين والجهات الشرطية والقضائية، قبل تنفيذ عمليات كشف ومسح للموقع وانتشال الرفات الظاهر على السطح، بحسب المكتب الصحفي في مديرية الدفاع المدني بحمص. بعد ذلك، يُنقل الرفات إلى الطبابة الشرعية في حمص، ثم إلى مركز "الاستعراف" في دمشق، ليتم حفظها لاحقاً في أماكن مخصصة لفريق البحث عن المفقودين، في إطار إجراءات تقتصر حالياً على الحفظ والتوثيق الأولي.
المستشارة الإعلامية للهيئة الوطنية للمفقودين، زينة شهلا، قالت إن عملية تحديد الهويات لم تبدأ بعد، إلا أن الفرق العاملة في الهيئة تخضع لتدريبات مكثفة باستخدام تقنيات حديثة، بالتوازي مع العمل على بناء خبرات وطنية قادرة على التعامل مع جميع مراحل هذا الملف. وأضافت شهلا أن الهيئة وقعت اتفاقية مع منظمة "ICMP" للاستفادة من خبرات وخبراء المنظمة لتدريب الكوادر السورية على التقنيات الحديثة، لا سيما تقنيات التوثيق وتكنولوجيا الحمض النووي (DNA) والبصمة الوراثية.
وبهذا الشأن، يرى مدير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، دياب سرية، أن الهيئة مطالبة برسم خريطة شاملة لمواقع المقابر وحمايتها وتقديم إجابات للأهالي، إلا أن غياب بنك وطني للحمض النووي ونقص الخبرات المتخصصة يحدان من سرعة التقدم، ويجعلان الاستجابة الحالية محكومة بإمكانات قيد البناء، إذ تعمل الهيئة على تدريب كوادرها والعمل ضمن القدرات الموجودة حالياً، كما أن الوقت ليس في مصلحة الهيئة، ما يوجب عليها الإسراع في العمل والمهام المكلفة بها.
ويرى الناشط الحقوقي والمؤسس المشارك في "الشبكة المدنية للحقوق والتنمية" ثائر حجازي، أن هناك أيضاً دوراً مطلوباً من المجتمع المدني السوري، وهو تجاوز مرحلة التوثيق وجمع البيانات، والانتقال إلى الضغط المهني والموضوعي، والمساءلة البناءة، والعمل على معالجة نقاط الخلل من خلال حوار دائم مع الهيئة الوطنية للمفقودين. ومن حق المجتمع والأهالي، بحسب حجازي، السؤال والمعرفة والحصول على تحديثات دورية حول مسار العمل، ولا بد من الاستفادة من خبرات المنظمات السورية التي راكمت تجربة طويلة خلال السنوات الماضية، وهناك حاجة إلى حماية مواقع المقابر والسجون بوصفها مسارح جريمة، ومنع العبث بالأدلة، لضمان عدم ضياع حقوق الضحايا، تمهيداً لمسار عدالة حقيقية يمنع الإفلات من العقاب.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي