تحركات إسرائيل الجيوسياسية: اعتراف بـ"أرض الصومال" وتحالفات شرق المتوسط.. من المستهدف؟


هذا الخبر بعنوان "أهداف “إسرائيل” من الاعتراف بدولة “أرض الصومال”.." نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
شهدت منطقة الشرق الأوسط وفضاء البحر المتوسط في السنوات الأخيرة تحولات جيوسياسية متدرجة وعميقة الأثر، من أبرزها تعزيز التعاون بين إسرائيل وكل من قبرص واليونان، وصولًا إلى اعتراف تل أبيب بدولة “أرض الصومال”، وهي منطقة منفصلة عن الصومال ولا تحظى باعتراف دولي. أثارت هذه الخطوات، التي غالبًا ما تُسوّق ضمن أطر تعاون إقليمي أو اقتصادي، تساؤلات جوهرية حول خلفياتها الاستراتيجية، وما إذا كانت تشكل محاولة لمحاصرة قوى إقليمية أساسية مثل مصر والسعودية وتركيا. يستند هذا التحليل إلى مقاربات وتقارير صادرة عن مراكز بحثية دولية بارزة، من بينها المجموعة الدولية للأزمات، ومعهد بروكينغز، وتشاتام هاوس، ومؤسسة كارنيجي، مع التركيز على الأبعاد الأمنية والاقتصادية والسياسية لهذه التحركات.
منذ البداية، يتضح أن هذه المبادرات لا يمكن قراءتها كقرارات منفصلة أو ظرفية، بل تندرج ضمن رؤية إسرائيلية طويلة المدى تهدف إلى تعزيز النفوذ في مناطق استراتيجية شديدة الحساسية. في هذا السياق، شكّل اعتراف إسرائيل بدولة “أرض الصومال” محطة مفصلية، لما ينطوي عليه من دلالات جغرافية وسياسية. فـ”أرض الصومال” تقع على ساحل خليج عدن، بالقرب من مضيق باب المندب الذي يمر عبره جزء كبير من تجارة النفط العالمية، ما يمنح أي وجود فيها قيمة استراتيجية مضاعفة، ويفتح الباب أمام مراقبة أحد أكثر الممرات البحرية حساسية في العالم.
لم يمر هذا الاعتراف دون أن تثير دوافعه نقاشًا واسعًا. تشير تقارير المجموعة الدولية للأزمات إلى أن “أرض الصومال” قد تشكل منصة مراقبة متقدمة لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في البحر الأحمر، خاصة في ظل دعم طهران لجماعات مسلحة وشبه عسكرية في الإقليم، وسعيها لتوسيع حضورها عبر شراكات اقتصادية وأمنية. في الوقت نفسه، يندرج هذا التحرك ضمن سياسة إسرائيلية أوسع لبناء شبكة تحالفات في القارة الإفريقية، حيث أعادت منذ عام 2016 تفعيل علاقاتها مع عدد من الدول الإفريقية، في محاولة لموازنة الحضور الإيراني والتركي المتزايد هناك.
إلى جانب ذلك، لا يمكن فصل الاعتراف بـ”أرض الصومال” عن البعد التركي في القرن الإفريقي، إذ تمتلك أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها خارج الأناضول في مقديشو، وتعد الصومال جزءًا من استراتيجيتها الإفريقية الممتدة. تشير تقارير تشاتام هاوس إلى أن خطوة الاعتراف هذه تضعف شرعية الحكومة الفيدرالية الصومالية المتحالفة مع تركيا، وتشكل تحديًا مباشرًا للنفوذ التركي في المنطقة.
تباينت ردود الفعل الإقليمية على هذه التطورات. تعاملت مصر بحذر واضح، إدراكًا منها لحساسية البحر الأحمر وأهميته لقناة السويس، لكنها في الوقت نفسه واصلت التعاون البحري والأمني مع إسرائيل ضمن مبادرات مشتركة لمواجهة التهديدات المتصاعدة. أما السعودية، فبقي موقفها أقرب إلى المراقبة الصامتة، إذ تنظر بقلق إلى النفوذ التركي في القرن الإفريقي، دون أن تعلن موقفًا صريحًا في ظل غياب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. في المقابل، رفضت تركيا الاعتراف بشكل قاطع، واعتبرته تدخلًا في الشأن الداخلي الصومالي، وسعت إلى تعزيز شراكتها مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وفق ما تشير إليه تقارير كارنيجي.
خلصت معظم التحليلات إلى أن هذه الخطوة لا تستهدف مصر أو السعودية بشكل مباشر، بقدر ما تندرج في إطار مواجهة مزدوجة، تتمثل في احتواء النفوذ الإيراني من جهة، وتعطيل التمدد التركي في القرن الإفريقي من جهة أخرى.
بالتوازي مع هذا المسار الإفريقي، وسّعت إسرائيل تحركاتها في شرق المتوسط عبر تعميق شراكاتها مع قبرص واليونان، ولا سيما ضمن إطار منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس عام 2020 ويضم إلى جانبها كلًا من مصر والأردن وفلسطين والإمارات. يهدف هذا المنتدى إلى تنظيم استثمار احتياطيات الغاز الطبيعي في المنطقة، وفي مقدمتها الحقول الإسرائيلية الكبرى، وعلى رأسها حقل ليفياتان. في هذا الإطار، وقّعت إسرائيل اتفاقات لترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة مع قبرص واليونان، بما يتيح استغلال الموارد البحرية بشكل قانوني ومنظم. كما جرى الترويج لمشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط لنقل الغاز الإسرائيلي عبر قبرص واليونان إلى أوروبا، في مسعى لتأمين بدائل للطاقة الروسية.
غير أن هذه المشاريع لم تكن بمنأى عن التحديات، سواء من حيث الكلفة الاقتصادية المرتفعة أو من حيث المعارضة السياسية، وخصوصًا من جانب تركيا التي رأت في هذه التحالفات محاولة لعزلها عن موارد المتوسط. يشير معهد بروكينغز إلى أنّ الشراكة مع قبرص واليونان، وهما دولتان عضوان في حلف شمال الأطلسي، تحولت إلى أداة جيوسياسية في مواجهة المطالبات التركية بالمناطق الاقتصادية الخالصة، ما أدى إلى تصعيد التوترات البحرية، كما ظهر في المناورات والاستعراضات العسكرية خلال السنوات الأخيرة. في المقابل، عززت إسرائيل موقعها عربيًا عبر هذه المنصة، إذ تشارك مصر بوصفها شريكًا استراتيجيًا أساسيًا، مستفيدة من استيراد الغاز الإسرائيلي وإعادة تسييله، فيما تشكل الإمارات والأردن عنصر دعم سياسي أوسع ضمن سياق اتفاقيات إبراهام.
عند النظر إلى مواقف الدول المعنية، يتبين أنّ مصر ليست مستهدفة بهذه الترتيبات، بل تُعد شريكًا محوريًا فيها، إذ تحقق مكاسب اقتصادية وأمنية واضحة من التعاون في مجال الطاقة وأمن الحدود. أما السعودية، فتتابع هذه التطورات بحذر، دون انخراط مباشر، في انتظار تبلور ظروف إقليمية وسياسية، ولا سيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومستقبل الوضع السوري. في المقابل، ترى تركيا في هذه الشبكة من الاتفاقات تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا، ما دفعها إلى تعزيز تحالفاتها البديلة، سواء عبر ليبيا أو عبر توطيد علاقاتها مع إيران وروسيا، في محاولة لكسر العزلة المتنامية.
من خلال تحليل مواقف الدول الثلاث على حدة، يتضح أن مصر لا تقع في دائرة الاستهداف، بل تُعامل بوصفها شريكًا يمكن الاعتماد عليه، سواء في منتدى غاز شرق المتوسط أو في الترتيبات الأمنية المرتبطة بالبحر الأحمر وقطاع غزة. وبرغم قلقها من أي تطورات قد تمس استقرار الممرات البحرية في البحر الأحمر، ترى القاهرة أنّ التنسيق مع إسرائيل يظل أقل كلفة من الانخراط في صراعات مفتوحة أخرى في الإقليم. أما السعودية، فهي تعتبر نفسها غير مستهدفة مباشرة، إذ تتركز أولوياتها الاستراتيجية على مواجهة إيران في الخليج واليمن، فيما يبقى أي تقارب مع إسرائيل مشروطًا بتقدم ملموس في الملف الفلسطيني. في المقابل، تبدو تركيا الطرف الأكثر تضررًا، سواء في شرق المتوسط حيث تُقوّض مطالباتها البحرية، أو في القرن الإفريقي حيث يتعرض حضورها في الصومال لضغوط إضافية، فضلًا عن الساحة الليبية التي تتقاطع فيها المصالح الإسرائيلية والمصرية ضد النفوذ التركي.
بناءً على ما تقدم، يمكن القول إنّ الصورة العامة تشير إلى أنّ التحركات الإسرائيلية لا تستهدف محاصرة مصر أو السعودية، بل تتركز أساسًا على احتواء تركيا، مع بعد تكميلي يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني. فمصر تؤدي دور الجسر الاقتصادي والسياسي، والسعودية تراقب من موقع الحذر، فيما تواجه تركيا شبكة متزايدة من التحالفات التي تحد من قدرتها على المناورة. في هذا الإطار، تبرز أهمية متابعة تطورات منتدى غاز شرق المتوسط والعلاقة الإسرائيلية مع “أرض الصومال” بوصفها مؤشرات على اتجاهات الصراع الإقليمي، كما تبرز الحاجة أمام القوى الإقليمية، ولا سيما مصر والسعودية، إلى تنسيق مواقفهما بما يحول دون توظيف هذه التحالفات على حساب مصالحهما، في حين تبدو تركيا أمام خيار البحث عن تسويات دبلوماسية تقلل من مخاطر العزلة المتنامية في محيطها الإقليمي.
سياسة
سياسة
سياسة
سياسة