سوريا تعلن إطلاق عملة جديدة: خطوة لإعادة هيكلة الاقتصاد وبناء مرحلة نقدية مختلفة


هذا الخبر بعنوان "العملة السورية الجديدة.. رمز لبداية مرحلة اقتصادية جديدة" نشر أولاً على موقع worldnews-sy وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
أعلنت الحكومة السورية مؤخرًا عن عزمها إطلاق عملة جديدة، في مبادرة تهدف إلى استبدال العملة الحالية التي تعود إلى عهد النظام السابق. تأتي هذه الخطوة ضمن مسار أوسع لإعادة هيكلة السياسة النقدية وتمهيدًا لبناء مرحلة اقتصادية جديدة في البلاد.
صرح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، بأن سوريا ستبدأ اعتبارًا من الأول من كانون الثاني 2026 عملية استبدال الأوراق النقدية المتداولة حاليًا بأخرى جديدة. وأوضح الحصرية، في بيان له، أن هذه الخطة الرسمية تهدف إلى إحلال العملات الصادرة خلال حقبة حكم الأسد. وأضاف: "يسرّني، بكل فخر واعتزاز، أن أبارك صدور المرسوم رقم 293 لعام 2025، المتعلق بولادة العملة السورية الجديدة، في محطة وطنية مفصلية تعكس بداية مرحلة اقتصادية ونقدية جديدة".
يثير هذا التطور مجموعة من التساؤلات الجوهرية، منها: ما الأسباب التي تدفع الدول إلى تغيير عملتها أو استبدالها؟ وما الفرق بين إطلاق عملة جديدة وطباعة عملة محلية ضمن النظام النقدي القائم؟ وما أبرز الدول العربية والإسلامية التي خاضت تجارب مماثلة؟ وكم تكلف عملية إطلاق أو طباعة عملة جديدة؟ وما أبرز الدول التي يتم فيها طباعة العملات؟
تُعد العملة الوطنية رمزًا سياديًا واقتصاديًا مهمًا لمعظم دول العالم. ومع ذلك، قد تضطر بعض الدول، في مراحل معينة، إلى تغيير عملتها أو استبدالها بأخرى جديدة لأسباب متعددة. لا يُعد تغيير العملة قرارًا شكليًا أو إجراءً تقنيًا محدود الأثر، بل يمثل خطوة سيادية عميقة ترتبط غالبًا بأزمات اقتصادية كبرى أو تحولات مفصلية في المسار المالي والنقدي للدولة. ويعتمد نجاح هذه الخطوة على مدى استقرار السياسات المالية والنقدية المصاحبة لها، وليس فقط على إصدار العملة الجديدة.
وفقًا لصندوق النقد الدولي وأرشيف مدينة ميونخ، تتمثل أبرز الأسباب التي تدفع دولة ما إلى تغيير عملتها فيما يلي:
يشير إطلاق عملة وطنية جديدة إلى استبدال العملة القائمة أو إدخال تغيير جذري عليها. قد يشمل ذلك تغيير اسم العملة أو شكلها وتصميمها ووحدتها الأساسية، أو حتى الانتقال إلى نظام نقدي جديد كليًا يختلف عن النظام المعمول به سابقًا.
وفقًا لصندوق النقد الدولي، تمر عملية إدخال عملة وطنية جديدة بأربع مراحل رئيسية مترابطة:
أما عملية طباعة عملة محلية ضمن النظام النقدي القائم، فهي أقل تعقيدًا. قد تشمل إصدار فئة نقدية جديدة أو تحديث تصميم فئة قائمة بهدف مكافحة التزوير، كما فعلت الولايات المتحدة عندما أصدرت فئة 100 دولار بتصميم أمني مُحدّث (سلسلة 2013)، مع بقاء الدولار الأميركي والنظام النقدي القائم دون تغيير.
في حالات أخرى، قد تلجأ الدول إلى طباعة النقود في إطار ما يُعرف بـ "التيسير الكمي". هذه السياسة النقدية لا تعني ضخ أوراق نقدية جديدة مباشرة في الأسواق، بل تعتمد على قيام البنوك المركزية بشراء أصول مالية، غالبًا سندات حكومية، من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، مثل صناديق التقاعد، وفقًا لصحيفة "غارديان" البريطانية. ويُفترض أن تسهم هذه السيولة الإضافية في تشجيع البنوك على زيادة الإقراض، بما ينعكس إيجابًا على النشاط الاقتصادي.
شهدت العديد من الدول العربية والإسلامية إصلاحات نقدية عبر التاريخ، خاصة خلال فترات الاستقلال أو إعادة البناء الاقتصادي. تضمنت هذه الإصلاحات استبدال العملات الأجنبية أو المحلية القديمة بعملات وطنية حديثة، أو إعادة تقييم العملات القائمة. ومن أبرز هذه التجارب:
يُعد إنتاج وتوزيع الأوراق النقدية من المسؤوليات السيادية التي تتولاها البنوك المركزية. بلغ حجم الإنفاق العالمي على طباعة الأوراق النقدية نحو 9.7 مليارات دولار عام 2018، وارتفع إلى نحو 11.1 مليار دولار عام 2023، وفقًا لمنصة "ناسداك".
تلتزم دول، مثل الولايات المتحدة الأميركية، بطباعة أوراقها النقدية داخل أراضيها بموجب القانون، بينما لا تمتلك دول أخرى مطابع خاصة، مما يدفعها إلى الاستعانة بجهات خارجية. تطبع الولايات المتحدة سنويًا نحو 7 مليارات ورقة نقدية لتلبية احتياجات التداول واستبدال الأوراق التالفة. وبحسب بيانات مجلس محافظي الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي)، تبلغ تكلفة طباعة ورقة من فئة 10 دولارات نحو 6.8 سنتات، وترتفع إلى 7.3 سنتات لورقة 20 دولارًا، وتصل إلى نحو 11.3 سنتًا لورقة 100 دولار، نظرًا لما تتضمنه من خصائص أمان متقدمة.
في منطقة اليورو، يتم إنتاج الأوراق النقدية بشكل مشترك من قبل البنوك المركزية للدول الأعضاء، حيث يتحمل كل بنك مركزي مسؤولية إنتاج جزء من الفئات النقدية وفقًا لتوزيع يحدده البنك المركزي الأوروبي.
أما في المنطقة العربية، فتمتلك عدة دول مطابعها الخاصة التي تديرها البنوك المركزية أو الدولة. على سبيل المثال، يدير البنك المركزي المصري مطبعته الخاصة منذ عام 1967، في حين تتمتع مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) بالامتياز الحصري لطباعة وسك العملة الوطنية منذ خمسينيات القرن الماضي. كما أنشأت المملكة المغربية دار سكّ العملة الوطنية "دار السكة" عام 1987، ومنذ ذلك الحين يطبع ويسكّ الدرهم داخل هذه المؤسسة.
في الختام، لا تُعد قرارات تغيير العملة أو إصدار فئات نقدية جديدة أو اللجوء إلى طباعة النقود قرارات معزولة، بل هي أدوات سيادية دقيقة ترتبط بإدارة الاستقرار الاقتصادي للدولة. ويظل نجاح أي خطوة نقدية مرهونًا بصلابة السياسات المالية والنقدية، ووضوح الأطر التشريعية، وقدرة المؤسسات على التنفيذ، إذ إن العملة، مهما تغير شكلها أو اسمها، تعكس في جوهرها قوة الاقتصاد الذي يقف خلفها.
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد
اقتصاد