عائلة الديبو في الرقة: صمود الحدادة التقليدية في وجه التغيرات وتحديات العصر


هذا الخبر بعنوان "الرقة: مهنة الحدادة التقليدية تحافظ عليها عائلة الديبو" نشر أولاً على موقع Syria 24 وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
في قلب مدينة الرقة، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة كركيزة لاقتصادها المحلي وأسلوب حياتها اليومي، تستمر مهنة الحدادة التقليدية في الصمود بقوة، متجاوزةً التغيرات المتسارعة التي شهدتها المدينة على مر السنوات. وتبرز عائلة الديبو كواحدة من أبرز العائلات التي حافظت على هذه الحرفة الأصيلة، مواصلةً عملها في صيانة المدافئ وتصنيع الأدوات الزراعية اليدوية، في إطار سعيها الدؤوب لحماية إرث مهني عريق توارثته الأجيال.
يؤكد عبد العزيز الديبو، البالغ من العمر 54 عاماً والذي ورث هذه المهنة عن والده، في تصريح خاص لـ سوريا 24، أن الحدادة تتجاوز كونها مجرد عمل يومي لعائلته، بل هي امتداد لتاريخ عائلي طويل وعميق. ويضيف الديبو: "هذه المهنة ليست فقط مصدر رزق لنا، بل هي تقليد عائلي عزيز أحرص على نقله لأولادي، لضمان استمرارية الحرف اليدوية التي تعلمناها من آبائنا وأجدادنا وعدم اندثارها".
ويلفت الديبو الانتباه إلى أن طبيعة عمله تتسم بالتنوع الموسمي، حيث يتحول فصل الشتاء إلى فترة ذروة مخصصة لصيانة المدافئ وتنظيفها، وذلك نظراً لاعتماد قطاع واسع من سكان الرقة عليها كوسيلة أساسية للتدفئة. ويوضح لـ سوريا 24 قائلاً: "مع قدوم الشتاء، يصبح تنظيف المدافئ وإصلاحها محور عملنا الرئيسي، فالعديد من الأهالي يعتمدون عليها لمواجهة برد الرقة القارس".
أما في بقية فصول العام، فينصب تركيز العائلة على تصنيع الأدوات الزراعية اليدوية، بما في ذلك الفؤوس والأوتاد الحديدية وغيرها من المعدات الضرورية التي لا غنى عنها للمزارعين في عمليات الحراثة والحصاد. وفي هذا الصدد، يصرح محمد الديبو: "إن صناعة الفؤوس والأوتاد تمثل جوهر عملنا خلال الفصول الأخرى من السنة، وتكتسب هذه الأدوات أهمية بالغة للمزارعين، إذ تسهم في تحسين كفاءة زراعة الأرض وعمليات الحصاد".
ومع انقضاء الموسم الزراعي وتراجع النشاط التجاري في الأسواق، يرى الديبو في فصل الشتاء فرصة مثالية لتعويض أي ركود، وذلك من خلال التفرغ الكامل لصيانة المدافئ. ويتابع قائلاً: "بعد انتهاء موسم الزراعة، أكرس وقتي بالكامل لصيانة المدافئ، فالحركة في بعض المحال الزراعية تتراجع، واستغلال هذا الوقت في إصلاح المدافئ يوفر لنا دخلاً إضافياً ويقدم خدمة حيوية لسكان المدينة".
ويعتبر الديبو أن مهنة الحدادة تجسد استمرارية لنمط حياة تقليدي في مدينة تشهد تحولات تدريجية في ملامحها بفعل التقدم التكنولوجي وتغلغل الآلات الحديثة إلى الأسواق. ويشدد لـ سوريا 24 على أن: "الحفاظ على هذه الحرف اليدوية أمر بالغ الأهمية، فهي جزء لا يتجزأ من هوية العائلة وتراثها. ورغم أن الآلات الحديثة قد توفر سرعة أكبر، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل الجودة الفائقة للأدوات الحديدية المصنوعة يدوياً".
لكن هذه المهنة لا تخلو من التحديات الجسيمة، حيث يشير الديبو إلى الارتفاع المتواصل في أسعار الحديد وصعوبة متزايدة في تأمين المواد الأولية اللازمة، فضلاً عن النقص الملحوظ في العمالة الماهرة. ويصرح: "لقد أصبح الحديد باهظ الثمن، ونواجه أحياناً عقبات في الحصول على المواد الأساسية، لذا فإننا نسعى جاهدين لتعليم أولادنا والعمل ضمن ورش صغيرة لضمان استمرارية هذه المهنة العريقة".
ويختتم الديبو حديثه بالتأكيد على الأبعاد الاجتماعية العميقة لحرفته، معتبراً أن المدفأة في فصل الشتاء تتجاوز كونها مجرد وسيلة للتدفئة. ويقول لـ سوريا 24: "الأمر لا يقتصر على الجانب العملي فحسب، بل هو تقليد شتوي يجمع العائلة والأحباب حول المدفأة، ونشعر بسعادة غامرة عندما نرى أن عملنا يسهم في تخفيف قسوة البرد عن الناس".
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي