اتحاد كتاب طرطوس يستضيف قراءة معمقة في قصيدة «الأطلال» لإبراهيم ناجي: اللغة العربية وعاء للوجدان


هذا الخبر بعنوان "شاعر وقصيدة.. قراءة في «الأطلال» باتحاد كتاب طرطوس" نشر أولاً على موقع syriahomenews وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
استكمالاً للاحتفال بعيد اللغة العربية، استضاف اتحاد الكتّاب العرب فرع طرطوس محاضرة أدبية بعنوان «اللغة العربية في عيدها وما بعده»، ألقتها الدكتورة فاديا سليمان ظهر اليوم الثلاثاء في صالة فرع الاتحاد، بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي.
تناولت المحاضرة قراءة شعرية إنسانية عميقة، تمحورت حول قصيدة «الأطلال» للشاعر إبراهيم ناجي، بوصفها نموذجاً مكثفاً للتجربة الوجدانية في الشعر العربي الحديث. وأكدت الدكتورة سليمان أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء للوجدان ومرآة للروح الإنسانية، وحاضنة لتجارب الحب والألم عبر العصور.
أوضحت الدكتورة سليمان أن الاحتفاء الحقيقي باللغة العربية يكتمل بالعودة إلى نماذجها الإبداعية الكبرى والغوص في تجارب شعرية خالدة تكشف جمال اللغة وعمق التجربة الإنسانية. لذلك، جاء اختيار محور «شاعر وقصيدة» كمدخل فني ووجداني للاحتفاء باللغة من خلال الشعر.
بيّنت المحاضرة أن الشاعر المختار هو الدكتور إبراهيم ناجي، أحد أبرز أعلام الشعر العربي الحديث، وأن القصيدة هي «الأطلال»، التي تُعد ملحمة عاطفية تجاوزت زمنها وتحولت إلى أيقونة شعرية وغنائية خالدة في الوجدان العربي.
أشارت الدكتورة سليمان إلى أن إبراهيم ناجي يُعد علماً بارزاً في حركة الشعر المصري الحديث، وأحد رواد جماعة أبولو التي تأسست عام 1932، والتي أسهمت في تطوير الشعر العربي الحديث ومنحته بعداً وجدانياً وفنياً، وربطته بالإنسان ومشاعره العميقة.
أوضحت المحاضرة أن شعر إبراهيم ناجي ينتمي إلى الاتجاه الرومانسي الغنائي، الذي يطغى عليه الحزن والأسى، وتحضر فيه مشاعر الانطواء والوجد والهيام، إلى جانب التعلّق بالطبيعة والتشبث بالحب بوصفه ملاذاً روحياً.
توقفت الدكتورة سليمان عند البعد الإنساني في شخصية الشاعر، مشيرة إلى أن حساسيته المفرطة وبنيته الجسدية النحيلة أسهمتا في تعميق إحساسه بالحزن الداخلي، وانعكس ذلك بوضوح في تجربته الشعرية. فقد كان ينشد حباً مثالياً لا يتحقق، ويبحث عن تأكيدٍ لذاته كان يفتقده في داخله وفي نظر الآخرين.
ذكرت المحاضرة أن نتاج ناجي الشعري تجسّد في ثلاثة دواوين رئيسة هي: «وراء الغمام»، «ليالي القاهرة»، و«الطائر الجريح»، التي عكست خلاصة تجربته الوجدانية لشاعر عاش الحلم والألم معاً.
أوضحت الدكتورة سليمان أن قصيدة «الأطلال» جاءت ثمرة قصة حب ضائع من أيام الشباب، حيث أحبّ ناجي جارته ثم فرّق بينهما السفر. وعند عودته، علم بزواجها، وبقي هذا الحب جرحاً مفتوحاً في ذاكرته. ووقع اللقاء المفجع حين استدعاه رجل لإنقاذ زوجته أثناء ولادة عسيرة، ليتبين أن المرأة هي حبيبته القديمة، في لحظة صادمة فجّرت القصيدة.
تابعت الدكتورة سليمان بالقول إن ناجي غادر المكان مثقلاً بالألم، وقضى ليلته يكتب «الأطلال» معبّراً عن حسرته، واستشهدت ببعض أبياتها التي ما زالت تهز الوجدان:
يا فؤادي رحم الله الهوى
ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم
بعدما عز اللقاء
وهل رأى الحب سكارى مثلنا
رأت الدكتورة سليمان أن القصة تجسّد حباً انتهى إلى الفقد، فصارت هي أطلال جسد، وصار هو أطلال روح. ومن هذا الانكسار، وُلدت واحدة من أعظم الملاحم الشعرية في الأدب العربي الحديث.
بيّنت أن القصيدة جاءت بصياغة بيانية مشرقة وصور شعرية متنامية، وموسيقى عميقة تعتصر وجدان المتلقي، ويقف فيها الشاعر مفجوعاً في مواجهة القدر، معترفاً بأن الغرام كان قدراً قاسياً حوّل حياته إلى مأتم دائم.
واختتمت الدكتورة فاديا سليمان بالتأكيد على أن إبراهيم ناجي شاعر إنساني شديد التعاطف مع ضحايا الأقدار، يرتقي في شعره إلى عالم روحي متعالٍ، حيث يلتقي الحبيبان بعيداً عن قسوة الواقع، في بوحٍ إنساني خالد.
ثقافة
ثقافة
ثقافة
ثقافة