شوارع دير الزور: من بنية تحتية مدمرة إلى "معركة طين" يومية تشل الحياة والاقتصاد


هذا الخبر بعنوان "طرق دير الزور تتحول لمصائد ومستنقعات طينية" نشر أولاً على موقع enabbaladi.net وتم جلبه من مصدره الأصلي بتاريخ ٣١ كانون الأول ٢٠٢٥.
لا يتحمل موقعنا مضمونه بأي شكل من الأشكال. بإمكانكم الإطلاع على تفاصيل هذا الخبر من خلال مصدره الأصلي.
يواجه أهالي دير الزور يوميًا واقع بنية تحتية متدهورة، حيث لم تشهد شوارع المدينة وأزقتها الداخلية أي أعمال ترميم منذ سنوات طويلة. ومع كل هطول للأمطار، تتحول هذه الطرق إلى مستنقعات طينية ومصائد حقيقية، مما يعكس عجزًا إداريًا وتخطيطيًا مزمنًا. تتفاقم هذه الأزمة بعد سنوات من الصراع، متجاوزة كونها مجرد عيوب في التعبيد لتصبح تهديدًا للأمن الاجتماعي وشللًا للحركة الاقتصادية.
تعاني غالبية أحياء دير الزور من مشكلة تصريف مزمنة، تتحول إلى ظاهرة كارثية مع تساقط الأمطار، ويصفها الأهالي بـ "الغرق في الوحل". تتجلى هذه المعاناة بشكل خاص في الشوارع الرئيسية والأحياء السكنية الأكثر تضررًا، مثل الجورة والحميدية والجبيلة والصناعة، التي تشهد انتشارًا واسعًا لبرك المياه.
يصف محمد الجيجان، وهو موظف في مديرية التربية، الوضع لـ "عنب بلدي" بأن كل صباح يمثل "معركة حقيقية" للوصول إلى مكان العمل. ويضيف الجيجان: "الأكياس الرملية التي وضعناها أمام مدخل البناية أصبحت جزءًا من المستنقع بدلًا من أن تُنقذنا منه". ويتابع: "أنت لا تمشي على الطريق، بل تقفز بين الحفر والكتل الطينية، ونصل إلى أعمالنا بثياب ملوثة وأحذية غارقة، وهذا يترك أثرًا نفسيًا عميقًا من الشعور بالمهانة والضيق".
ويرى الجيجان أن هذا الواقع لا يليق بمدينة يُفترض أنها تعافت جزئيًا من ويلات الحرب. ويشير إلى أن الكوارث المحلية الناجمة عن تآكل البنية التحتية تتجاوز مجرد الإزعاج العابر، لتصبح تكلفة اقتصادية باهظة تثقل كاهل المواطن المنهك أصلًا. كما تلفت الطرق المهترئة والحفر العميقة الممتلئة بالماء الموحل إلى خطر مباشر يهدد المركبات والممتلكات، مما يؤدي إلى تلف متسارع في أنظمة التعليق والإطارات وهياكل السيارات.
علاوة على ذلك، يتسبب الشلل المروري وتدهور الطرقات في تأخير وصول البضائع والموظفين، مما يقلل من كفاءة العمل ويلحق خسائر مباشرة بالتجار والحرفيين. من جانبه، تحدث أحمد البدري، سائق تكسي، لـ "عنب بلدي" بنبرة يائسة قائلًا: "مهنتنا أصبحت مغامرة محفوفة بالمخاطر، فسيارات الأجرة ترفض المرور في العديد من الأحياء الشعبية خشية تعرضها للتلف، خاصة بعد غروب الشمس حيث يصعب رؤية الحفر".
ويوضح البدري أن الركاب لا يلومونهم، فهم يدركون طبيعة شوارع مثل طب الجورة أو الصناعة أو العمال أو الحميدية. ويضيف أنه اضطر للاستدانة مبلغ كبير أنفقه على تبديل "دوزان" ومجموعة من البالونات، وكلها تضررت بسبب هذه الحفر التي تتحول إلى برك عميقة بعد هطول الأمطار. وقد تضاعفت فواتير الصيانة، لتلتهم نصف الدخل اليومي الذي يسعى البدري لكسبه لإعالة عائلته.
"لقد فقدنا القدرة على توفير احتياجاتنا الأساسية بسبب تآكل هذه الطرق"، يقول البدري، معتبرًا أن المسؤولية تقع على عاتقهم فقط في إصلاح ما يفسده الإهمال الإداري. وعلى الرغم من وضوح الكارثة وتكرارها، يبقى صوت الأهالي مهمشًا، فالقضية لا تقتصر على ضعف الإمكانيات فحسب، بل تمتد لتشمل سوء الإدارة وتغييب الأولويات وغياب خطط الصيانة الهيكلية والجذرية.
وتصف فاتن المحمد، في حديثها لـ "عنب بلدي"، الحلول المطبقة حاليًا بأنها لا تتجاوز "محاولات ترقيعية فاشلة" تنهار مع أول هطول للأمطار، مما يهدر المبالغ الزهيدة التي تُصرف عليها. وفي اعتراف بالواقع، صرح أحد المسؤولين في مجلس مدينة دير الزور، والذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ "عنب بلدي" بأن "الواقع صعب جدًا، ولا يمكن إنكار حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية نتيجة سنوات الحرب".
وأضاف المصدر الحكومي أنهم يعملون ضمن إمكانيات محدودة للغاية، فالموارد المتاحة للمحافظة لا تكفي حتى لتغطية احتياجات الصيانة الأساسية لمقطع طريق رئيسي واحد. وأشار إلى وجود نقص حاد في الآليات الثقيلة ومواد التعبيد (الإسفلت)، وأن كل ما يقومون به حاليًا هو محاولة سد الحفر الأكثر خطورة باستخدام مواد بسيطة كالتراب والبقايا.
ويؤكد المصدر أن هذه الحلول ليست جذرية ولا تستطيع الصمود أمام عوامل التعرية والمطر. وأضاف أنهم بحاجة إلى دعم مركزي كبير وخطة طوارئ بميزانية ضخمة لإعادة تأهيل شبكة الطرق بالكامل، وإلا ستبقى الأزمة قائمة. وفي سياق متصل، نشرت بلدية دير الزور عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" أعمالًا خدمية أنجزتها، لكن نشاطها اقتصر على مد أحد الطرقات بالتراب والبقايا وفتح حفر الصرف الصحي.
من جانبه، أجرى المحافظ جولات تفقدية لعدد من المنشآت، وفقًا لما نشرته صفحة المحافظة الرسمية، إلا أنه لم يتم الإعلان عن إطلاق أي مشروع جديد في المحافظة.
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي
سوريا محلي