الثلاثاء, 28 أكتوبر 2025 07:11 PM

إنسان الظل: نظرة في أزمة الهوية والانعزال في مجتمعاتنا

إنسان الظل: نظرة في أزمة الهوية والانعزال في مجتمعاتنا

في مجتمعاتنا التي تتوالى عليها الأزمات وتتراكم فيها المخاوف، يظهر نمط من البشر يعيش على هامش الحياة، لا يملكون سوى ظلهم. هؤلاء الأشخاص يختبئون خلف جدران رمزية من الفقر أو العزلة أو العجز، متسترين بشعور زائف بالأمان. هذا هو "إنسان الظل"، الضحية التي أصبحت جزءًا من المشهد الاجتماعي، حتى أصبح وجوده مبررًا لاستمرار الخلل.

النقص هنا ليس مجرد عيب فردي، بل هو بنية اجتماعية متوارثة. ما كان ضعفًا أو عجزًا يتحول إلى فضيلة صامتة، وما كان خضوعًا يصبح حكمة مزعومة. جيل كامل يتشكل ويعيش على الهامش، يراقب الحياة من بعيد، معتقدًا أن الاختفاء هو النجاة.

في عالم إنسان الظل، الطموح يعتبر جريمة اجتماعية، والحلم فضيحة، والنجاح تهديد. يتعلم الفرد أن يخفض صوته حتى لا يسمع نفسه، وأن يختبئ عن الحياة كما يختبئ العابر عن خطواته العابرة. مع مرور الوقت، يصبح الغياب أسلوب حياة، وتتحول اللامرئية إلى شكل مألوف للوجود.

الخطر الأكبر هو أن هذه الظلال تستنسخ نفسها. فالمقموع يولد مقموعًا، والمحروم يحرس حرمانه كقدر مقدس. إنها حلقة مغلقة يتحول فيها القبول بالعجز إلى قاعدة اجتماعية، ويصبح الخضوع نمطًا مألوفًا يقيد طاقات المجتمع.

لكسر هذه الدائرة، لا يكفي تغيير الأشخاص أو الشعارات، بل يجب إعادة بناء وعي الإنسان بذاته. فالنهضة تبدأ من الفرد حين يدرك أن النور ليس امتيازًا ممنوحًا، بل حق لكل إنسان أن يُرى ويُسمع ويَحيا. حينها، يمكن للمجتمع أن يستعيد توازنه، ليس بالضجيج، بل باليقظة الهادئة التي تعيد للكرامة معناها وللوجود عمقه.

إنسان الظل ليس عدوًا بقدر ما هو مرآة صادقة لنا، يذكرنا بما نخسره كل يوم من معنى الإنسانية عندما نرضى أن نعيش ناقصين. التحرر الحقيقي يبدأ عندما نجرؤ على الخروج من هذا الظل، لا لمهاجمة الضوء، بل لنصبح جزءًا منه. (أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: