الخميس, 18 سبتمبر 2025 10:33 AM

الأغوار الفلسطينية: صراع مرير على الأرض والمياه في مواجهة التوسع الاستيطاني

الأغوار الفلسطينية: صراع مرير على الأرض والمياه في مواجهة التوسع الاستيطاني

تُعتبر منطقة الأغوار الفلسطينية، التي تشكل نحو 30% من مساحة الضفة الغربية، ذات أهمية استراتيجية بالغة نظراً لموقعها المتميز وانخفاضها عن سطح البحر، مما يمنحها مناخاً فريداً وتربة خصبة تصلح لزراعة التمور والعنب والتوابل، فضلاً عن إمكانية توليد الطاقة. وتتميز المنطقة بكونها غنية بالموارد الطبيعية التي يمكن استغلالها في الزراعة على مدار العام.

تضم الأغوار واحداً من أهم الأحواض المائية في فلسطين، حيث تحوي الأغوار الجنوبية 91 بئراً، والوسطى 68 بئراً، والشمالية 10 آبار، وقد استولت إسرائيل على معظم هذه الآبار. وتُعرف الأغوار بـ "سلة فلسطين الغذائية"، إذ تمثل نصف المساحات الزراعية في الضفة الغربية وتنتج 60% من الخضروات والفواكه الفلسطينية.

إلا أن الواقع الميداني يشير إلى سيطرة إسرائيل على نحو 90% من أراضي الأغوار و85% من مواردها المائية، مما يحرم الفلسطينيين من الاستفادة منها. وتضم المنطقة أيضاً 45% من المساحات الرعوية و40% من الثروة الحيوانية الفلسطينية. ويوجد في الأغوار حوالي 35 مستوطنة مركزية، معظمها زراعية، بالإضافة إلى عشرات البؤر الاستيطانية والثكنات العسكرية، في حين لا يتجاوز عدد التجمعات الفلسطينية الثابتة 27 تجمعاً، موزعة على 10 آلاف دونم، إلى جانب العشرات من التجمعات الرعوية والبدوية.

من أصل 280 ألف دونم صالحة للزراعة في الأغوار، لا يستغل الفلسطينيون سوى 50 ألفاً، بينما يستولي المستوطنون على 27 ألفاً. وقد فرض الاحتلال إجراءات مشددة لمنع البناء والتطور العمراني الفلسطيني، وصادر آلاف الدونمات الزراعية والرعوية بحجة الدوافع الأمنية أو إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، ومنع الرعاة من الوصول إلى المراعي. كما جرى عزل الأغوار عن باقي الضفة الغربية، وتقييد حركة الفلسطينيين إليها عبر حواجز مشددة مثل الحمرا وتياسير، حيث يتم تفتيش الهويات والتصاريح.

قرية رأس عين العوجا، الواقعة على بعد 12 كيلومتراً من أريحا، تجسد حجم المعاناة التي يعيشها السكان. فالتوسع الاستيطاني غيّر جغرافية المنطقة وديموغرافيتها على طول شارع رقم 90 الواصل بين القدس والأغوار. أحمد الرشايدة، البالغ 57 عاماً، يصف كيف يجد نفسه وعائلته المكونة من 17 فرداً محاصرين من المستوطنين الذين استولوا على أراض تبعد بضع مئات من الأمتار عن منزله. ويشير إلى أن المستوطنين يلاحقونه ويصورون سيارته ولوحاتها، ويتحرشون بأبنائه يومياً، وسرقوا نحو ألف رأس من الماشية منذ بداية العام، ومنعوه من زراعة القمح والشعير. ويؤكد الرشايدة أن هذه الاعتداءات ليست جديدة، بل بدأت قبل الحرب بسنوات.

ابنه سياف، البالغ 17 عاماً، يوضح أنه شهد معظم الاعتداءات، حيث يقتحم المستوطنون المنزل برفقة الجيش والشرطة، ويطلقون النار على المقتربين، ويعتدون على والده بالضرب، حتى إنه اعتُقل خمسة أيام وغُرّم بخمسة آلاف شيكل. أما الأطفال الصغار في العائلة، فيعيشون رعباً يومياً، إذ يصرخون ويبكون مع كل إطلاق نار عشوائي على المنازل ليلاً.

الاعتداءات طالت أيضاً منطقة شلال العوجا، حيث أقيمت بؤرة استيطانية جديدة قرب الشلال، وجرى منع تدفق المياه عنه عبر خزانات وأبار حُفرت خصيصاً، ما أدى إلى جفاف العين. ويقول الباحث والناشط الفلسطيني ضد الاستيطان فارس علي، إن الاعتداءات في منطقة شلال العوجا متكررة ومتتالية، وقد تصاعدت بشكل كبير مؤخراً. ويوضح أن هذه الاعتداءات استهدفت المنطقة بسرقة المواشي، وإقامة بؤرة استيطانية قرب الشلال، ومنع تدفق المياه خلال موسمها الطبيعي، ما أدى اليوم إلى جفاف العين. ويؤكد علي أن السبب وراء ذلك يعود إلى إقامة خزان ماء من قبل شركة “ميكوروت” الإسرائيلية قرب الشلال، إضافة إلى حفر آبار أخرى شرق رام الله وصولاً إلى العوجا، مما أثر على تدفق المياه السطحية والجوفية.

ويضيف علي أن هذه الاعتداءات دفعت الكثير من الفلسطينيين إلى بيع مواشيهم، بينما اضطر آخرون لوضعها داخل حظائر خشية سرقتها، وهو ما يسبب خسائر مالية كبيرة للمزارعين. أما الضربة الأشد فكانت في تجمع “عرب المليحات” القريب من العوجا، حيث أقام المستوطنون بؤرة داخل التجمع وهاجموا المنازل، ما أدى إلى تهجير 70 عائلة قسرياً في يوم واحد، أي نحو 500 شخص، بعد أن عاشوا في المنطقة نصف قرن. ويخشى أهالي رأس عين العوجا أن يلقوا المصير نفسه.

إلى جانب ذلك، يهدد مشروع “إي 1” الاستيطاني بقطع أوصال الضفة الغربية، وتقسيمها إلى شمالية وجنوبية، ما سيضاعف معاناة سكان الأغوار ويشل الحركة التجارية والزراعية.

على الرغم من كل هذه الضغوط، يستمر سكان الأغوار في الزراعة، لكنهم يواجهون يومياً سياسات تهدف إلى خنق وجودهم: من مصادرة صهاريج المياه، وسرقة الأعلاف، وتكسير ألواح الطاقة الشمسية، وصولاً إلى منع استخدام البيوت البلاستيكية الزراعية. ويرى ناشطون أن فرض عقوبات شخصية ومالية على المستوطنين قد يكون وسيلة فعالة للحد من اعتداءاتهم، طالما أنهم يتصرفون بمعزل عن أي محاسبة قانونية محلية أو دولية.

هكذا، تبقى الأغوار الفلسطينية عنواناً لصراع بقاء، بين شعب يسعى لتثبيت وجوده على أرضه، واحتلال يسعى إلى اقتلاع هذا الوجود لصالح مشروع استيطاني يتمدد بلا توقف.

مشاركة المقال: