الإثنين, 23 يونيو 2025 10:36 AM

الإعلام العربي: بين تزييف الوعي وصناعة الإرادة.. أين الحقيقة؟

الإعلام العربي: بين تزييف الوعي وصناعة الإرادة.. أين الحقيقة؟

زياد المجالي

مقدمة:

عندما تشاهد قناة "العربية"، قد تظن أن إيران على وشك الانهيار. وعندما تتحول إلى قناة "الميادين"، قد يبدو لك أن إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة. أما قنوات مصر، فغالباً ما تُردد عبارة: "فتنة تُدار من الخارج". حين تشاهد الأخبار، قد تتوهم أنك تشاهد العالم بأكمله، ولكنك في الواقع تشاهد فقط ما يُراد لك أن تعتقد أنه العالم.

المفارقة ليست في الرأي، بل في الهدف. فالسؤال الحقيقي ليس "من يقول الحقيقة؟"، بل "من يمتلك الرواية الأقوى التي تجبرك على تصديقها، حتى لو تعارضت مع إحساسك الداخلي؟". هذا المقال لا يتناول الإعلام فحسب، بل يتطرق إلى العمق السياسي والاجتماعي الذي يستخدم الإعلام كأداة لترويض الشعوب.

أولًا: فوضى إعلامية متعمدة... لا توعية بل إنهاك

إن تناقض الروايات لم يُصمم لتنويرك، بل لإنهائك وإثارة يأسك. تتلقى أخبارًا متضاربة حتى تفقد الثقة بكل شيء، وتصل إلى قناعة قاتلة: "كلهم كاذبون... لا فائدة من المتابعة". وهكذا، تكون قد وقعت في الفخ. فالهدف ليس أن تصدق أحدهم، بل أن تتوقف عن التصديق كليًا... وأن تصبح محايدًا في قضايا لا يجوز فيها الحياد.

ثانيًا: من الإعلام كناقل... إلى الإعلام كصانع وعي

كل مؤسسة إعلامية اليوم تصنع قصة، لا تنقل واقعًا. الإعلام الخليجي يضخم "الخطر الإيراني" لتبرير التحالف مع الغرب. الإعلام القومي يبالغ في تمجيد "المقاومة" لتغطية فشل الأنظمة. الإعلام الرسمي يخوفك من "الفتنة" لتبرير القمع والتكميم. إنه ليس اختلافًا في الطرح، بل صراع على تعريف الواقع نفسه. وما أكثر الذين يصدقون "السردية" لا "الحدث".

ثالثًا: ترويض المواطن لا تنويره

ليس الهدف أن تفهم، بل أن تُعاد برمجتك: أن تخاف بدلًا من أن تحلل، وأن تكره بدلًا من أن تطالب، وأن تصفق بدلًا من أن تفكر. كل من يسأل يُخَوّن، وكل من يصمت يُكافأ. وحين تسأل عن الخبز... يُقال لك: "أنت لا ترى المؤامرة؟" وحين تسأل عن غزة... يُقال: "ادعُ لهم فقط." وحين تهمس عن الفساد... يُقال: "هذا ليس وقته."

رابعًا: كيف يُدار وعيك؟

  • التركيز الانتقائي: لا تُعرض لك الحقيقة كاملة، بل لقطة منها.
  • التكرار الموجه: يُعاد المشهد ألف مرة... لإقناعك بأنه الحقيقة المطلقة.
  • الخبر الناقص: يُروى جزء صغير... ويُحذف ما ينسف الرواية.

والنتيجة: عقل مُنهك، يتعامل مع العالم برد فعل عاطفي، لا بعقل ناقد.

خامسًا: قافلة الصمود: الوعي الذي لا يُروّض

حين قرر شبان تونسيون السير إلى غزة في قافلة الصمود، فعلوا ذلك من خارج السرديات الرسمية. فلم تُغطَّ القافلة كما تُغطّى الحروب المصطنعة، ولا احتفى بها الإعلام الرسمي كما يحتفي بتغريدات المطبعين. السبب؟ لأنها مبادرة من الناس، لا من السلطة. والإعلام السلطوي لا يحب ما لا يتحكم به. فكان التعتيم هو العقوبة.

سادسًا: من المستفيد من الضجيج؟

  1. السلطة: تلهيك بالخارج لتخفي فشلها في الداخل.
  2. الممول: يريدك أن ترى العالم بعين مصالحه.
  3. النخب الفاسدة: تعيش من الجهل والخوف.

سابعًا: ما العمل؟

في عالم تختلط فيه الأكاذيب بالحقائق، يصبح الوعي الشخصي هو آخر خط دفاع. لا تصدق كل ما يُقال، ولا تُنكر كل ما لا يُقال. بل اسأل: "من كتب هذا؟ ولماذا الآن؟ وما الذي لم يُقل؟"

خاتمة:

بين الضجيج والصمت يولد الوعي. الإعلام اليوم لا يخبرك بما يحدث... بل بما يُراد لك أن تفهمه. ولذلك، فإن أخطر معركة اليوم ليست مع دبابة، بل مع كاميرا. في عالم يُدار بالأكاذيب الناعمة... الحقيقة تحتاج إلى قلوب لا تخاف، وعقول لا تُشترى.

(اخبار سوريا الوطن ١-روائع الأدب السياسي الساخر)

مشاركة المقال: