الأربعاء, 9 يوليو 2025 01:41 AM

البيمارستان النوري في دمشق: تحفة معمارية ومتحف لتاريخ الطب والعلوم العربية

البيمارستان النوري في دمشق: تحفة معمارية ومتحف لتاريخ الطب والعلوم العربية

يُعتبر البيمارستان النوري من أبرز المعالم التاريخية في دمشق، حيث كان في السابق مشفى ومدرسة للطب. وهو واحد من ثلاثة بيمارستانات أقيمت في دمشق، ويمثل مدرسة طبية عريقة تخرج منها وتعلم فيها أطباء كبار مثل ابن سينا والزهراوي وابن النفيس وابن أبي أصيبعة. كان أول أطبائه محمد بن عبد الله المظفر الباهلي، الذي توفي سنة 570 هـ. وقد أصبح فيما بعد من أشهر المشافي ومدارس الطب والصيدلة في العالم الإسلامي.

يضم البيمارستان مكتبة غنية بمجموعة من الكتب العلمية والطبية والصيدلانية، بالإضافة إلى المؤلفات والمجلات والدراسات التي تتناول التراث العربي الإسلامي. وقد وصفه ابن جبير خلال زيارته في القرن الثاني عشر قائلاً: "الأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقدون المرضى، ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية حسبما يليق بكل إنسان منهم".

يقع البيمارستان جنوب غرب الجامع الأموي، شرق سوق الحَمِيدية، في قلب مدينة دمشق القديمة بمنطقة الحريقة. بناه الملك العادل نور الدين محمود الزنكي عام 543هـ/1154م، وخصصه للفقراء والمساكين لتلقي الدواء والغذاء والكساء مجاناً. كما أوقف عليه عدداً كبيراً من الكتب الطبية، بالإضافة إلى تدريس وإعداد الطلاب ليصبحوا أطباء. عمل فيه أشهر الأطباء العرب، ويُعتبر أول مشفى يحتفظ بالسجلات الطبية لمرضاه، ويتسع لألف وثلاثمائة سرير.

كان الأطباء يأتون إليه من مختلف البلدان، ولم يكن يقتصر على الفقراء، بل كان يستقبل الأغنياء أيضاً في حال عدم توفر الأدوية خارج البيمارستان. تذكر بعض المصادر التاريخية أن المسلمين أسروا أحد ملوك الفرنج، وعند استشارة نور الدين لمجلس أعيانه، تم الاتفاق على فك أسره مقابل فدية مالية تُصرف في بناء البيمارستان ليكون مشفى. وتشير الكتابات التاريخية المنقوشة فيه إلى تعرضه لتغييرات وتعديلات وترميمات عديدة على مر العصور، حيث تم ترميم بعض أجزائه في الفترة المملوكية في عهد السلاطين الملك الظاهر بيبرس وقلاوون والناصر محمد.

استمر البيمارستان على هذا النحو حتى أوائل القرن الرابع عشر، ثم انتهى دوره بعد بناء المشفى الجديد في دمشق. في سنة 1318 هـ، تحول البيمارستان إلى مدرسة للبنات في عهد السلطان عبد الحميد، وفي سنة 1358 هـ تحول إلى مدرسة تجارية، ثم جرى ترميمه أخيراً عام 1396 هـ ليصبح "متحف الطب والعلوم عند العرب" بعد أن قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميمِه عام 1978م. وهو أول مشفى إسلامي يتحول إلى متحف.

يضم المتحف أربع قاعات رئيسية: قاعة العلوم، التي تعرض الأدوات العربية واللوحات الفنية التي تذكر بتطور العلوم عند العرب؛ قاعة الصيدلة، التي تعرض نماذج للأدوات والأجهزة التي كان يستخدمها العلماء العرب في مزج ودق وتركيب الأدوية المستخرجة من الأعشاب الطبية؛ قاعة الطب، التي تحوي مخطوطات ولوحات ورسوم طبية ونماذج لأدوات جراحية مأخوذة من كتاب الزهراوي، بالإضافة إلى مقتنيات لها علاقة بالطب الروحي وأدوات الشراب والغذاء؛ وقاعة الطيور والحيوانات المحنطة، وهي تعليمية أكثر منها أثرية، وتحتوي على نماذج حديثة لطيور وحيوانات متنوعة محنطة، مما يشير إلى اهتمام العرب بعلم الحيوان وفن البيطرة.

بالإضافة إلى أقسامه الطبية، يتميز البيمارستان بطرازه المعماري الجميل وهندسته وواجهاته وزخارفه ومداميكه وأقواسه ومقرنصاته وتيجانه وفسيفسائه الرخامية. كما يتميز بمقرنصات داخلية وخارجية تغطي قبَّته الحمراء المنفذة من الآجُرِّ على الطِّراز الرافدي والمزوَّدة بالزجاج الغامق، والتي تعتبر مع قبة تربة نور الدين القريبة من البيمارستان مثالين فريدين في العمارة السورية.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: