الإثنين, 23 يونيو 2025 12:26 PM

التلوث الإشعاعي النووي: كيف يؤثر على صحتك وما هي مستويات الخطورة؟

التلوث الإشعاعي النووي: كيف يؤثر على صحتك وما هي مستويات الخطورة؟

في ظل التصعيد العسكري المتزايد بين إسرائيل وإيران، اللتين تمتلكان مفاعلات نووية، تتزايد المخاوف بشأن تأثير القصف على هذه المفاعلات واحتمال حدوث تسرب إشعاعي نووي إلى الدول المجاورة مثل سوريا ولبنان والأردن ودول الخليج العربي والعراق. يشكل خطر التعرض للإشعاعات النووية هاجسًا بسبب المخاطر الصحية المحتملة على المديين القريب والبعيد، مما يستدعي التركيز على إجراءات الحماية للدول المعرضة لهذا الخطر، وفقًا للدكتور أكرم خولاني.

ما هو الإشعاع النووي؟

الإشعاع النووي هو انبعاث الطاقة من نواة الذرة في شكل موجات كهرومغناطيسية أو جسيمات دون ذرية متحركة. يشمل هذا الإشعاع أنواعًا مختلفة مثل أشعة ألفا وبيتا وجاما والنيوترونات، ولكل منها خصائص مختلفة تؤثر على الجسم بطرق متعددة:

  • أشعة ألفا: تحمل طاقة كبيرة ولكن قدرتها على الاختراق محدودة، وقد تكون ضارة إذا دخلت الجسم.
  • أشعة بيتا: أكثر قدرة على الاختراق ويمكن أن تسبب أضرارًا داخلية وفي الأنسجة.
  • أشعة جاما: تمتاز بقدرتها الكبيرة على الاختراق وتعتبر الأخطر من ناحية الأضرار الصحية.

ينبعث الإشعاع الطبيعي من مواد مشعة موجودة بشكل طبيعي في التربة والماء والهواء وفي الجسم. يتعرض الأفراد يوميًا للإشعاعات المتنوعة الموجودة في الهواء والطعام والماء. وتعتبر أجهزة التصوير بالأشعة السينية والأدوية المشعة المستخدمة في التشخيص والعلاج الإشعاعي والأجهزة الطبية الأخرى من أكثر المصادر شيوعًا لتعرض الإنسان للإشعاع الاصطناعي.

تتراوح نسب الإشعاع الطبيعي في الهواء بين 50 و200 نانو سيفرت/ساعة (nSv/h)، وهي وحدة قياس تشير إلى نسبة الإشعاعات التي يمكن أن يتعرض لها الشخص خلال الساعة، وتختلف هذه النسبة بحسب جغرافيا الأرض ونوعية التربة. التعرض لكميات كبيرة من الإشعاعات، كما يحدث في الحوادث النووية، يمكن أن يكون مدمرًا. تقسم المناطق حسب نسبة التلوث الإشعاعي وطبيعته إلى ستة مستويات إشعاعية، ولكل مستوى إرشاداته الخاصة:

  • المستوى الأول: منطقة المفاعل النووي (المنطقة الساخنة)، حيث تتجاوز مستويات الإشعاع مليون نانو سيفرت/ساعة، ويتطلب إخلاءً فوريًا لكل كائن حي وارتداء عمال الإغاثة والطوارئ الألبسة والأقنعة الواقية.
  • المستوى الثاني: المنطقة المحيطة بالمنطقة الساخنة، حيث تتراوح نسبة الإشعاع بين 100 ألف ومليون نانو سيفرت/ساعة، ويشكل البقاء فيها خطورة عالية، حيث تتسبب الإشعاعات فورًا بارتفاع حرارة الجسم وبحروق متباينة، واستنشاق المواد المشعة يحمل أخطارًا جمّة على الصحة العامة.
  • المستوى الثالث: المنطقة التي تتراوح نسبة الإشعاعات فيها بين 20 ألفًا و100 ألف نانو سيفرت/ساعة، ويجب إخلاؤها سريعًا، والبقاء فيها يزيد من خطر الإصابة بالأمراض السرطانية، وتنبغي مراقبة المنطقة ورصد نسب الإشعاع فيها قبل السماح للسكان بالعودة إليها.
  • المستوى الرابع: المنطقة التي تتراوح نسبة الإشعاع فيها بين 5000 و20 ألف نانو سيفرت/ساعة، وتستدعي تدابير وقائية.
  • المستوى الخامس: المنطقة التي تتراوح نسبة الإشعاع بين 200 و5000 نانو سيفرت/ساعة، وتعد منطقة صالحة لفترات البقاء القصيرة فقط.
  • المستوى السادس: تتراوح نسبة الإشعاع بين 50 و200 نانو سيفرت/ساعة، وهو الوضع الطبيعي.

ما هي حالة الطوارئ النووية؟

تتضمن حالة الطوارئ النووية انفجار قنبلة ذرية أو سلاح نووي، أو تسرب مواد مُشعة إلى البيئة من المفاعلات النووية. التسرب الإشعاعي النووي مهما كانت خطورته لا يقارن بتداعيات الانفجار الناتج عن قنابل نووية، إذ يُنتج الانفجار نبضة شديدة من الحرارة والضوء وضغط الهواء والإشعاع، ويطلق سحابة نووية هائلة على شكل فطر، ويسبب تدميرًا شاملًا في محيط دائري بمساحة تمتد إلى عدة كيلومترات، وتنتشر الانبعاثات الناتجة عنه بسرعة هائلة إلى طبقات الجو العليا وفي البيئة المحيطة بمكان الانفجار، ويمكن أن تحملها الرياح لمسافات طويلة، مما يسبب تلوثًا إشعاعيًا ويعرض الأشخاص للخطر.

ما هي أنواع التلوث الإشعاعي التي تُصيب الإنسان؟

ينقسم التلوث الإشعاعي عند الإنسان إلى قسمين:

  • التلوث الخارجي: يكون التلامس مع المواد المشعة خارج الجسم، وهو عندما تترسب المواد المشعة على جلد الشخص أو شعره أو ملابسه.
  • التلوث الداخلي: يعني دخول المواد المشعة إلى داخل الجسم، ويحدث عند ابتلاع أو استنشاق مواد مشعة، أو عند دخولها عبر جرح مفتوح أو امتصاصها عبر الجلد. وتبقى بعض أنواع المواد المشعة في الجسم وتتراكم في أعضاء مختلفة، بينما يخرج بعضها الآخر من الجسم عن طريق الدم والعرق والبول والبراز.

قد يتعرض الإنسان لكليهما معًا، أي التلوث الخارجي والداخلي.

ما أخطار التلوث الإشعاعي على الصحة؟

يمكن أن يؤثر الإشعاع سلبًا على مختلف أعضاء الجسم وأنظمته، بما في ذلك الجلد والرئتان والقلب والكلى والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي وحتى الحمض النووي للخلايا. يتوقف خطر الآثار الصحية الناتجة عن التعرض للإشعاع على عدة عوامل:

  • الجرعة: كلما زادت جرعة الإشعاع، زادت الآثار الصحية السلبية.
  • نوع الإشعاع: تختلف آثار أنواع الإشعاع المختلفة، فأشعة جاما تكون أكثر ضررًا من غيرها.
  • مدة التعرض: كلما طالت مدة التعرض للإشعاع، زادت احتمالية حدوث آثار صحية سلبية.
  • حساسية الأنسجة: تختلف الأنسجة في حساسيتها للإشعاع، فالخلايا سريعة الانقسام تكون أكثر عرضة للتأثر.
  • العمر: يكون الرُضّع والأطفال وكبار السن أكثر عرضة للخطر.
  • الحالة الصحية للشخص: الحوامل والأشخاص ذوو أجهزة المناعة الضعيفة من الفئات الأكثر عرضة للخطر.

تتراوح الآثار الصحية السلبية الناتجة عن التعرض للتلوث الإشعاعي بين الحادة والمزمنة:

الآثار الحادة:

  • متلازمة الإشعاع الحادة: تحدث عند التعرض لجرعات عالية من الإشعاع خلال فترة قصيرة، وتشمل أعراضًا مثل الغثيان، والقيء، والإسهال، والتهاب الجلد، وتساقط الشعر، وحتى الموت في الحالات الشديدة.
  • الإصابات الإشعاعية الموضعية: تحدث نتيجة التعرض المباشر للإشعاع على منطقة معينة من الجسم، ويمكن أن تسبب حروقًا جلدية وتقرحات.
  • تلف الأنسجة والأعضاء: يمكن أن يؤدي التعرض لجرعات عالية من الإشعاع إلى تعطيل وظائف الأنسجة والأعضاء المختلفة، مثل الكلى والرئتين والقلب.

الآثار المزمنة:

  • السرطان: يعتبر السرطان أحد أهم الآثار طويلة الأجل للإشعاع، حيث يمكن أن يؤدي التعرض للإشعاع إلى تلف الحمض النووي للخلايا وزيادة خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الدم وسرطان الغدة الدرقية.
  • التشوهات الخلقية: يمكن أن يؤدي التعرض للإشعاع في أثناء الحمل إلى حدوث تشوهات خلقية في الجنين.
  • الأضرار الوراثية: يمكن أن يؤدي الإشعاع إلى تلف الحمض النووي في الخلايا التناسلية، مما قد يؤدي إلى مشكلات صحية للأجيال القادمة.
  • تلف الكلى: قد يؤدي التعرض لجرعات عالية من الإشعاع إلى تدهور وظائف الكلى.
  • مشكلات في الجهاز الهضمي: يمكن أن يسبب الإشعاع قرحات مزمنة، وتندبًا، وتضيق الأمعاء أو انثقابها.
  • تلف العضلات: يمكن أن يؤدي الإشعاع إلى فقدان الكتلة العضلية وضمور العضلات.

كارثة تشيرنوبيل كنموذج

تعتبر حادثة تشيرنوبيل في عام 1986 أحد أبرز الأمثلة على تأثير الإشعاع النووي على الإنسان، حيث تعرض آلاف الأشخاص لمستويات عالية من الإشعاع، مما أدى إلى إصابة العديد منهم بأمراض مزمنة وسرطانات متعددة، كما أن الأطفال الذين ولدوا لأمهات تعرضن للإشعاع أظهروا معدلات أعلى من التشوهات الخلقية.

كيف ينتشر التلوث الإشعاعي من الأشخاص المصابين؟

في حالة التلوث الخارجي، ينقل الإنسان المواد المشعة إلى الآخرين أو إلى الأسطح عبر التلامس. أما في حالة التلوث الداخلي، فيُعرض المصاب من حوله للإشعاع الصادر من المادة المشعة داخل جسمه، كما يؤدي لمس السوائل الملوثة بالإشعاع كالعرق والدم والبول إلى انتقال التلوث للآخرين. ولذلك فإن التأكد من عدم تعرض الآخرين للغبار أو سوائل الجسم من شخص مصاب بالتلوث سيساعد في الحد من انتشار التلوث لأشخاص آخرين في المنزل أو العمل أو الأماكن العامة. وسنتحدث في العدد المقبل عن طرق الوقاية من التعرض للتلوث الإشعاعي بشكل مفصل إن شاء الله.

مشاركة المقال: