السبت, 27 سبتمبر 2025 04:45 PM

السويداء تحت وطأة أزمة الطحين: اتهامات متبادلة وحلول مؤقتة

السويداء تحت وطأة أزمة الطحين: اتهامات متبادلة وحلول مؤقتة

تشهد محافظة السويداء أزمة طحين حادة منذ ثلاثة أيام، مما أدى إلى صعوبة بالغة في الحصول على الخبز. تتهم اللجنة القانونية التي شكلها الشيخ حكمت الهجري الحكومة السورية بـ "حصار السويداء ومنع دخول المحروقات والطحين"، بينما يوجه ناشطون اتهامات للجنة القانونية نفسها بافتعال الأزمة.

أفاد مراسل عنب بلدي، يوم السبت 27 من أيلول، بأن 200 طن من الطحين في طريقها إلى السويداء عبر دمشق برفقة "الهلال الأحمر السوري" ضمن برنامج الأغذية العالمي. وقد عبر مواطنون من السويداء لعنب بلدي عن استيائهم من الأوضاع المعيشية المتدهورة في المحافظة مع اقتراب فصل الشتاء.

نوار الخطيب (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو من سكان جنوبي السويداء، ذكر لعنب بلدي أنه يضطر للوقوف من خمس إلى سبع ساعات متواصلة للحصول على ربطة خبز واحدة، واصفًا الوضع الإنساني بـ "المزري" في ظل انتشار الاحتكار والجشع لدى أصحاب الأفران. ودعا الدولة السورية إلى التدخل لتأمين الطحين للمحافظة التي يقطنها قرابة مليون نسمة، مطالبًا جميع الجهات المسؤولة بالتحرك قبل حلول الشتاء.

أسماء نصر (اسم مستعار)، من سكان مدينة شهبا، وصفت نقص الطحين بـ "الكارثة" ودعت إلى التحرك العاجل، معربة عن عدم معرفتها بأسباب الأزمة. وأفاد ثلاثة أشخاص آخرين من مناطق الرحى والمقوس وريمة حازم، والذين تحفظوا على ذكر أسمائهم لأسباب شخصية وأمنية، بأنهم يواجهون صعوبات في الحصول على الخبز، خوفًا من المضايقات والتهديدات.

أسباب الأزمة في السويداء

أرجع مدير الأمن الداخلي في السويداء، سليمان عبد الباقي، في تسجيل مصور على صفحته الشخصية بـ "فيسبوك" في 26 من أيلول، سبب أزمة الطحين إلى امتناع اللجنة القانونية عن سداد مستحقات الطحين، متهمًا إياها بادعاء وجود حصار. وأوضحت المؤسسة العامة للحبوب بدمشق أن اللجنة القانونية في السويداء استلمت ما يقارب 2000 طن من الطحين وسلمتها للأفران، بقيمة 400 ألف دولار، وهو ما دفع المؤسسة لعدم إرسال المزيد حتى سداد المستحقات. واتهم عبد الباقي اللجنة القانونية بـ "سرقة هذه الأموال وعدم تسديدها للمؤسسة العامة للحبوب"، داعيًا المجتمع المحلي في السويداء إلى التعاون مع الحكومة السورية لتأمين الخدمات الأولية.

في المقابل، اتهم مدير المخابز في السويداء، معين شلهوب، الذي عينته "اللجنة القانونية العليا" التي تدير أوضاع المحافظة، "سلطات الأمر الواقع في دمشق" (الحكومة السورية) بالتسبب في أزمة الخبز عبر منع تزويد السويداء بالطحين والمحروقات اللازمة لصناعة الخبز، وذلك في تصريح مصور في 26 من أيلول. واعتبر شلهوب أن الطحين الذي يصل للمحافظة يأتي فقط من المؤسسات الإغاثية والدولية ومساهمات المجتمع المحلي، متهمًا الحكومة السورية باستهداف مطحنة "أم الزيتون" في السويداء وإحراق القمح فيها، واستهداف الصوامع بالقذائف.

يذكر أن الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في محافظة السويداء كانت قد شكلت في 6 من آب الماضي لجانًا لإدارة الملفات الخدمية والقانونية والأمنية في المحافظة، بهدف تنظيم الشأن الذاتي للمحافظة، والحفاظ على المؤسسات الحكومية العامة والخاصة، و"رفع الظلم والضرر عن كاهل المواطنين بكافة مكوناتهم ومحاربة الفساد"، وفقًا لبيان صادر عن المكتب الإعلامي للجنة القانونية العليا.

الحكومة: لسنا المتسبب

صرح محافظ السويداء، مصطفى البكور، لقناة "الإخبارية" الحكومية بأن "أزمة مادة الطحين في السويداء مفتعلة لتغطية أمور أخرى ضمن المحافظة". وأشار في 25 من أيلول إلى أن أموال الطحين التي كانت موجودة في مطاحن المحافظة تم صرفها بشكل غير معلوم، مؤكدًا أن الحكومة تسهل أي عملية لإدخال المساعدات الإنسانية إلى السويداء، بما فيها الطحين. وأضاف أن "المجال مفتوح للقوافل التجارية والتجار لإدخال الطحين إلى محافظة السويداء"، وأن شرط الحكومة الوحيد هو عدم الاحتكار أو التلاعب بالأسعار. ودعا البكور أهالي السويداء إلى "بدء صفحة جديدة وترميم ما حصل"، مشددًا على ضرورة فصل الأمور الخدمية عن التوجهات السياسية، ومحذرًا من أن "الإشاعات المتداولة حول إسكان أبناء العشائر في مناطق الدروز هدفها إثارة الفتنة". كما أشار إلى أن العمل جارٍ لتأمين البنية التحتية في المناطق التي نزح منها المواطنون بهدف تسهيل عودتهم، ودعا المهجرين من أصحاب البيوت في الأرياف إلى العودة إلى بيوتهم، مؤكدًا العمل على تأمين احتياجاتهم.

خارطة الطريق

في مؤتمر صحفي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم باراك، أعلن الشيباني التوصل إلى خارطة طريق "تكفل الحقوق وتدعم العدالة وتعزز الصلح المجتمعي وتفتح الطريق أمام تضميد الجراح"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا). وأكدت الدول الثلاث التزامها بالعمل المشترك من أجل استقرار سوريا ووحدتها وسيادتها، ودعم عملية سياسية "شاملة بقيادة سورية"، تضمن مشاركة كل المكونات وتعكس التعددية الاجتماعية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف، وإنهاء الانقسامات المجتمعية.

نصت خارطة الطريق على جملة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها:

  • دعوة الحكومة السورية لجنة التحقيق الدولية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات وفق القانون السوري.
  • استمرار إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المحافظة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وضمان عودة الخدمات الأساسية بدعم من الأردن والولايات المتحدة.
  • نشر قوات شرطية مؤهلة على طريق السويداء- دمشق لتأمين حركة المواطنين والتجارة، وسحب المقاتلين المدنيين من حدود المحافظة واستبدالهم بقوات نظامية.
  • دعم جهود الصليب الأحمر للإفراج عن جميع المحتجزين والمخطوفين واستكمال عمليات التبادل.
  • يدعو الأردن بالتنسيق مع الحكومة السورية وفدًا من المجتمعات المحلية في السويداء (الدروز والمسيحيون والسنة)، ووفدًا آخر من ممثلي العشائر البدوية في محافظة السويداء لاجتماعات للمساعدة في تحقيق المصالحة.
  • إعلان خطط لإعادة إعمار القرى والممتلكات المتضررة، مع مساعدة أردنية وأمريكية لتأمين التمويل اللازم.

كما نصت الخارطة على تعزيز "سردية وطنية" تقوم على الوحدة والمساواة، وتجريم خطاب الكراهية والطائفية عبر تشريعات جديدة، بدعم قانوني من واشنطن وعمّان.

أحداث السويداء

بدأت أحداث السويداء في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة. تدخلت الحكومة السورية في 14 من تموز، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية. في 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل "فزعات عشائرية" نصرة لهم. وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.

مشاركة المقال: