الأحد, 21 سبتمبر 2025 10:50 PM

الشبكة السورية تنتقد الإعلان الدستوري وتقدم "خارطة طريق للإصلاح" للمرحلة الانتقالية

الشبكة السورية تنتقد الإعلان الدستوري وتقدم "خارطة طريق للإصلاح" للمرحلة الانتقالية

أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" ورقة تتضمن تحليلاً نقدياً للإعلان الدستوري السوري الذي تسلمه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 آذار الماضي ووقع عليه. تستعرض الورقة ظروف صياغة الإعلان ومضمونه وهيكله المؤسسي، وتوضح مكامن القصور والفرص المتاحة لتحويله إلى إطار انتقالي أكثر شمولية وتشاركية، يوازن بين الاستقرار ومبادئ الحكم الرشيد.

أشارت الشبكة إلى أن انهيار نظام الأسد في كانون الأول 2024 أدى إلى فراغ دستوري ومؤسسي، ما دفع السلطات الجديدة لإصدار إعلان دستوري في آذار 2025، مؤلف من 53 مادة، استلهم بعض عناصر دستور 1950، وتعهد بإرساء دولة المواطنة والحرية وسيادة القانون.

أكدت الورقة، التي نشرت مساء السبت 20 أيلول، أن الإعلان الدستوري ساهم في تجنب الفوضى وإدارة المرحلة الانتقالية، وجمع بين عناصر إيجابية كالتنصيص على حقوق الإنسان، وأخرى مثيرة للقلق كتركيز السلطات بيد السلطة التنفيذية وضعف الطابع التشاركي. ورأت أن طبيعته المؤقتة وإمكانية تعديله بموجب المادة 50، تتيح فرصة لإصلاحه وجعله أساساً لتحول ديمقراطي فعال.

هيمنة تنفيذية وعيوب جوهرية

كشفت الشبكة عن ظهور هيمنة تنفيذية وعيوب هيكلية في التطبيق العملي للإعلان الدستوري، تمثلت في اختلالات عدة:

  • اختزال السياسة في مقاربة تكنوقراطية، حيث أُعد الإعلان عبر لجنة ضيقة بقرار رئاسي دون حوار وطني موسع أو مشاركة حقيقية لأطياف المجتمع.
  • غياب التمثيل السياسي والاجتماعي، إذ استند اختيار أعضاء اللجنة إلى معايير قانونية وتقنية فقط، دون مراعاة التوازن والعدالة والتمثيل المتنوع.

نتيجة لذلك، قُدم الإعلان كمشروع تقني منزوع من طابعه السياسي الوطني التشاركي المفترض في عمليات تأسيس الدساتير. كما تعتري الإعلان الدستوري عيوب جوهرية:

  • تبعية قضائية: منحت المادة 47 رئيس الدولة سلطة تعيين قضاة المحكمة الدستورية العليا منفرداً، مع الإبقاء على صلاحيات واسعة لوزارة العدل في شؤون القضاة، ما يجرد القضاء من استقلاله الفعال.
  • برلمان شكلي: خولت المادة 24 الرئيس تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب مباشرة، وتعيين اللجنة المختصة باختيار الثلثين الباقيين، ما يضمن تبعية المجلس للسلطة التنفيذية. كما حدت المادة 30 من دوره إلى "طرح أسئلة على الوزراء"، ما يعطل وظيفتي الرقابة والتشريع.
  • صلاحيات تنفيذية واسعة: احتكر الرئيس تعديل الدستور بموجب المادة 50، وأنيط به إعلان الحرب والطوارئ عبر مجلس يعينه بنفسه وفق المادة 41، ومنحته المادة 37 سلطة المصادقة النهائية على المعاهدات الدولية حتى بعد إقرارها برلمانياً.

حقوق مقيّدة

وصفت الشبكة الحقوق والحريات في الإعلان الدستوري بأنها "بين التنصيص والتقييد"، وخلصت الورقة إلى:

  • إدراج المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان في المادة 12 خطوة إيجابية، غير أن المادة 23 تسمح بتقييد الحقوق بذريعة "الأمن الوطني" و"السلامة العامة" وغيرها دون معايير دقيقة أو رقابة قضائية فعالة، ما يفتح الباب للتأويلات التعسفية.
  • تغييب مبادئ ديمقراطية أساسية مثل "السيادة الشعبية" ولفظة "الديمقراطية"، وتجاهل حقوق محورية كـ"حرية التجمع، والتظاهر السلمي، والإضراب، وتكوين النقابات المستقلة، والحق في الوصول إلى المعلومات والمشاركة السياسية الفعلية".
  • غياب آليات مشاركة شعبية حقيقية في صياغة الدستور الدائم، مثل برامج التثقيف المدني، والاستشارات العامة، أو الاستفتاءات، ما يضعف الشرعية الإجرائية للانتقال.

خارطة إصلاح

اقترحت الشبكة السورية عبر "الورقة" خارطة طريق للإصلاح، تشمل تعديلات بنيوية لانتقال قابل للتطبيق، تتضمن:

المحكمة الدستورية العليا

  • تنص المادة 47 على صلاحية الرئيس في تعيين جميع أعضاء المحكمة، ما يقوض استقلاليتها. لتعزيز الرقابة الدستورية، تقترح لجنة ترشيحات مستقلة تضم ممثلين عن مجلس القضاء الأعلى ومجلس الشعب، ونقابة المحامين، وكليات الحقوق ومنظمات المجتمع المدني.
  • تعتمد إجراءات شفافة في الاختيار، على أن ينتخب مجلس الشعب القضاة بأغلبية الثلثين، مع تحديد ولايات متداخلة لمدة تسع سنوات لضمان الاستمرارية المؤسسية.

مجلس الشعب

  • لكي يصبح مؤسسة تشريعية حقيقية تمثل التنوع السوري، تقترح آلية تمثيل ثلاثية (جغرافي/وظيفي/مجتمع مدني)، مع معايير نزاهة وكفاءة للمرشحين تُطبق مؤقتًا خلال مرحلة انتقالية محددة (ثلاث سنوات) قبل تنظيم انتخابات عامة.
  • كما تمنح للمجلس صلاحيات موسعة تشمل تشكيل لجان تحقيق، وسحب الثقة من الوزراء، والموافقة على تعيين كبار المسؤولين، وممارسة رقابة جدية على إعلان الطوارئ.

تعديل المادة 23

  • تنص المادة بصيغتها الراهنة على قيود واسعة على الحقوق والحريات استنادًا إلى مبررات فضفاضة.
  • وتقترح الصياغة التالية: «لا يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان إلا بموجب قانون، وعلى نحو ضروري للغاية في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن الوطني من تهديدات حقيقية بالعنف أو القوة، أو لحماية السلامة العامة في حالات وجود خطر واضح وداهم، أو لضمان احترام حقوق وحريات الآخرين.
  • يجب أن تكون هذه القيود متناسبة مع الغاية المرجوة منها، وألا تنطوي على تمييز، وأن تخضع دائمًا للمراجعة القضائية، من دون المساس بجوهر الحق أو الحرية.

إضافات للمشاركة الديمقراطية

قدمت الشبكة عدة إضافات أساسية للمشاركة الديمقراطية، وهي:

  • حرية التجمع والتظاهر السلمي: إقرار الحق في التجمع والتظاهر من دون إذن مسبق، مع الاكتفاء بإخطار لا يتحول إلى ترخيص فعلي، وحظر استخدام القوة ضد التجمعات السلمية.
  • الوصول إلى المعلومات: تكريس الحق في الحصول على معلومات تخص السلطات العامة ضمن استثناءات محددة ومُبررة، مع نشر استباقي للمعلومات ذات الأهمية العامة.
  • المشاركة السياسية: ضمان الحق في المشاركة المباشرة أو عبر ممثلين منتخبين، والاقتراع والترشح في انتخابات حرة ونزيهة، وتكافؤ الفرص في تولي الوظائف العامة.
  • المسار الدستوري: إنشاء جمعية تأسيسية محددة الصلاحيات والجدول الزمني لصياغة الدستور الدائم، بما يبدد الغموض ويضمن الانتقال الديمقراطي.

وتتمثل مبادئ التنفيذ، بالتدرج، والقيود الزمنية، والدعم الفني لتحقيق توازن عملي بين الاستقرار والتغيير. وتُنفذ الإصلاحات الدستورية والقانونية تدريجيًا، بدءًا بتثبيت الحقوق والحريات واستقلال القضاء، ثم الانتقال إلى الإصلاحات التشريعية المرتبطة بتحسن الأوضاع الأمنية، وصولًا إلى انتخابات عامة شاملة. ويُقيّد العمل بالتدابير الاستثنائية بمدد زمنية محددة لا تجدّد إلا بموافقة أغلبية واسعة في مجلس الشعب. ويوصى بتوفير دعمٍ دولي فني عبر مكتب دستوري مستقل يعزّز قدرة المؤسسات الوطنية على رسم مسار ديمقراطي مستقل، مع الإبقاء على قدر كاف من المرونة الدستورية للاستجابة للتحولات السياسية والاجتماعية من دون التفريط بالمبادئ الديمقراطية الأساسية.

الفصل بين السلطات

قال المتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك، في 13 آذار الماضي، إن اللجنة اختارت نظامًا سياسيًا يعتمد الفصل التام بين السلطات.

وأضاف العواك خلال مؤتمر صحفي، أن النظام السياسي المقترح في مسودة الإعلان الدستوري يساعد على إدارة المرحلة الانتقالية.

خطوط عامة

نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن اللجنة المكلفة بصياغة مسودة الإعلان الدستوري، أن المسودة تقضي بأن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية.

وحددت المسودة مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ. وينص الإعلان على أهمية القضاة وأحكامهم واستقلاليتهم وترك أمر عزل الرئيس أو فصله أو تقليص سلطاته لمجلس الشعب.

كما ينص على ضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل وكفل لها الحقوق السياسية وعلى حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة. وأكد الإعلان التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيات الثقافية، والحرص على باب خاص بالحقوق والحريات لخلق توازن بين الأمن المجتمعي والحرية.

مشاركة المقال: