الخميس, 25 سبتمبر 2025 11:49 AM

الصحافة في عصر الانفعال: كيف يتحول الصحفي إلى حارس للوعي العام؟

الصحافة في عصر الانفعال: كيف يتحول الصحفي إلى حارس للوعي العام؟

كيف يوفق الصحفي بين كونه إنسانًا يتأثر بالخبر، وواجبه كمحترف يحافظ على الموضوعية؟ وماذا يعني أن يكون "حارسًا للعقل العام"؟ وما المهارات المطلوبة؟

في عالم يغرق في محتوى يثير الغرائز بدلًا من العقول، حيث تتغذى الخوارزميات على الغضب وتبيعنا وسائل التواصل الاجتماعي اليقين السريع بدلًا من التفكير النقدي، لم يعد دور الصحفي مجرد نقل الأخبار، بل حماية قدرتنا الجماعية على التفكير. تؤكد الدراسات أن العواطف القوية تعيق الوصول إلى الرأي الصحيح وتزيد من الاستقطاب والتضليل. فهل يستطيع الصحفي أن يظل منارة للعقلانية في هذا العصر؟

الصحفي كحارس للعقل العام

لم يعد كافيًا نقل الأحداث، بل يجب تفسير أسبابها وتداعياتها. لقد تحول الصحفي إلى:

  • مُفسّر للسياق: يحلل الخبر في إطاره التاريخي والاجتماعي والاقتصادي.
  • مهندس للوعي: يصيغ السرديات التي تساعد الجمهور على فهم التعقيد.
  • جسر للثقة: يبني علاقة مع جمهوره قائمة على الشفافية والمصداقية.

الثقافة الإعلامية النقدية ضرورة للجمهور والصحفي على حد سواء. لماذا يفشل الإعلام أحيانًا في أن يكون جسرًا للتفاهم، ويتحول إلى أداة لتعميق الاستقطاب؟

فن طرح الأسئلة المفتوحة

الخطاب الشعبوي يقسم العالم إلى معسكرين. مهمة الصحفي هي كسر هذا النموذج بأسئلة تعقّد الصورة بدلًا من تبسيطها. بدلًا من سؤال "من المتورط؟"، يجب طرح:

  • أسئلة السياق: ما الظروف التي جعلت هذا الحدث ممكنًا؟
  • أسئلة الغائبين: من الذي لم نسمع صوته في هذه القضية؟ ولماذا؟
  • أسئلة العواقب: ماذا يعني هذا القرار على المدى القريب والبعيد؟ وكيف سيؤثر على الفئات الأكثر هشاشة؟

هذه الأسئلة تحفز القارئ على المشاركة في صناعة المعنى.

سرد ذاتي

خلال مسيرتي المهنية في العمل الصحفي والتحريري والتلفزيوني، ومدونة وطن esyria، تنقلت بين غرف الأخبار والتحقيقات والعلوم والخدمات، حاملاً شغفًا بالحقيقة والدقة والتأثير الإيجابي في الوعي العام. لم يكن هدفي مجرد نقل الأحداث، بل فهم السياقات وطرح الأسئلة التي تفتح آفاق التفكير. الصحافة ليست فقط مهنة، بل مسؤولية معرفية وأخلاقية تتطلب يقظة نقدية دائمة. الصحفي اليوم يجب أن يكون حارسًا للعقل العام، لا مجرد ناقل للانطباعات، وأن مهمته تبدأ حين ينتهي الخبر.

أدوات التحقق.. والعقل النقدي

هناك حاجة للأدوات الرقمية للتحقق (مثل InVID للفيديو، أو Google Reverse Image Search). لكن الأهم هو الأدوات الفكرية التي تبدأ بمراعاة وجهات نظر متعددة، والتمحيص الدائم، وتقييم العواقب قبل نشر أي خبر. التحقق التقني من دون عقل نقدي هو مثل امتلاك سيارة فارهة من دون معرفة طريق السفر.

نماذج صحفية ناجحة

ليست العاطفة عدوّة الصحافة، لكنها يجب ألا تكون قائدتها. النماذج الناجحة هي التي توازن بين الشرح الموضوعي والتأثير الإنساني، مثل:

  • صحافة الحلول: تسليط الضوء على تجارب مجتمعية ناجحة.
  • التغطية التوضيحية: كما في عمل منصات مثل "إنهاك" أو "الكونفيرسيشن"، التي تشرح "كيف تعمل الأشياء".
  • التحقيقات البنيوية: تحقيقات لا تكتفي بكشف فساد شخص، بل تُظهر المنظومة التي مكّنته.

في تنافس السبق الإعلامي، لنتذكر دائمًا: "الأسرع ليس دائمًا الأصح، والأصح هو الأبقى أثرًا".

من مهنة إلى مسؤولية

الصحافة اليوم هي مسؤولية معرفية وأخلاقية أمام المجتمع. أن تكون حارسًا للتفكير النقدي يعني أن تختار الطريق الأصعب: طريق الأسئلة بدلًا من اليقين، والتعقيد بدلًا من التبسيط، والثقة المُكتسبة بشق الأنفس بدلًا من التفاعل السريع الرخيص. يتطلب هذا مؤسسات إعلامية تتبنى نماذج "الصحافة البطيئة" وتستثمر في التحقيقات والتفسير، وصحفيين يتبنون عقلية التعلّم الدائم، ومؤسسات تعليمية تدمج فلسفة النقد وتحليل الخطاب ومنهجية الشك في صلب مناهجها. ماذا يحدث للمجتمع عندما تتفوق سرديات الانفعال والعاطفة على سرديات العقل والتحليل؟

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: