الإثنين, 6 أكتوبر 2025 02:36 AM

الصحافة والسياسة: مخاطر الخلط وتأثيره على المصداقية وحق الجمهور

الصحافة والسياسة: مخاطر الخلط وتأثيره على المصداقية وحق الجمهور

يتجاوز بعض الصحفيين في عملهم حدود المهنية، حيث يمزجون بين مواقفهم السياسية أو الأيديولوجية وواجباتهم المهنية، مما قد يؤدي إلى تقويض مهمتهم، خاصة في ظل الاستقطاب الإعلامي الحاد الناتج عن عوامل مثل الملكية أو الإشراف. تتفاقم هذه الظاهرة في الدول التي تفتقر إلى آليات تنظيم ذاتي فعالة أو تشريعات واضحة تحظر استغلال الصحافة في الدعاية السياسية.

يثار تساؤل حول حق الصحفي في امتلاك رأي سياسي، والإجابة المختصرة هي أن الصحفي، كأي مواطن، له الحق في الانتماء إلى الأحزاب والمشاركة في الانتخابات. لكن السؤال الأكثر حساسية هو: هل يحق للصحفي التعبير عن آرائه السياسية في عمله الإعلامي؟ هذه النقطة تحدد المهمة المهنية للصحفي ومساحة التعبير المسموح بها.

تضع الدول التي حققت تقدمًا في تنظيم المهنة ضوابط ورقابة شعبية على وسائل الإعلام، من خلال منظمات وجمعيات ومؤسسات متخصصة، بالإضافة إلى تشريعات تمنع استغلال الإعلام في الدعاية السياسية. في المقابل، لا تزال بعض الدول تستخدم الإعلام للدعاية للسلطة، وينخرط الصحفيون في هذه الدعاية أثناء أداء واجباتهم، كما حدث في سوريا لعقود، وتفاقم بعد عام 2011، وفقًا لتقارير المنظمات المتخصصة.

يكمن التناقض في أن الدول التي نجحت في تنظيم المهنة وفرض معايير مهنية صارمة تعاقب الصحفي على الانحياز السياسي في عمله، بينما شهدت دول مثل سوريا فصل صحفيين بسبب رفضهم دعم رواية النظام والتعبير عن مواقفهم السياسية. قد يستغل الصحفي رأيه السياسي لخدمة السلطة أو مصالحه الخاصة أو الحزبية، كما حدث في قضية المذيع كريس كومو في "CNN" الأمريكية عام 2021، حيث تم فصله لانتهاكه قواعد التغطية في قضية شقيقه حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، المتهم بتجاوزات جنسية.

توضح قضية كومو مدى حساسية استغلال الصحفي لعمله، وهي قضية معقدة تتعلق بالمصلحة العائلية والموقف السياسي في آن واحد، وهو أمر محظور في القناة التي يعمل بها. لهذا السبب، تدرج العديد من المنظمات والمؤسسات هذا الجانب في مدونات السلوك أو قوانينها الداخلية. يعتبر ميثاق الشرف الصادر عن الاتحاد الدولي للصحفيين أن الانخراط المباشر في نشاط سياسي أو دعائي علني يهدد مصداقية الصحفي واستقلاليته.

تفرض المؤسسات الإعلامية في الدول المتقدمة قواعد صارمة تمنع انضمام صحفييها إلى الحملات الانتخابية أو تولي مناصب حزبية أو سياسية. قد يسمح في بعض الدول بانتماء الصحفي إلى حزب سياسي أو مشاركته في أنشطة مدنية، دون أن يؤثر ذلك في عمله الصحفي ودون استخدام المنبر الإعلامي للترويج السياسي.

يشدد الميثاق الأخلاقي الخاص بجمعية الصحفيين المحترفين في أمريكا (SPJ) على ضرورة تجنب الأنشطة السياسية التي قد تعرض النزاهة أو الحياد للخطر.

تفتقر سوريا حتى الآن إلى نصوص تضع معايير للممارسة المهنية الصحفية وتحمي الصحفيين من الانزلاق في الدعاية والعمل السياسي. قد لا يدرك البعض خطورة الموقف السياسي المنحاز على ثقة الجمهور ومصداقية المؤسسة، وقد يتعاملون مع القضية باستسهال، معتقدين أنهم يدافعون عن قضية بلدهم أو مجموعتهم المحقة، لكنهم في الواقع يعرضون سلامتهم لمخاطر قد تصل إلى تفتيت المجتمع وضرب أسس العيش المشترك واستدعاء موجة جديدة من العنف وتسلط السلطة.

مشاركة المقال: