الثلاثاء, 22 أبريل 2025 08:18 PM

القطاع المصرفي السوري تحت وطأة العقوبات وفقدان الثقة: تحديات الإصلاح ومستقبل الاستثمار

القطاع المصرفي السوري تحت وطأة العقوبات وفقدان الثقة: تحديات الإصلاح ومستقبل الاستثمار

نورمان العباس – دمشق

يواجه القطاع المصرفي في سوريا تحديات متراكمة تفاقمت بسبب العقوبات الاقتصادية، مما جعله الأكثر تضرراً في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة. لم تعد العقوبات مجرد قيود قانونية، بل أصبحت عائقاً يومياً أمام تدفق الاستثمارات وانتعاش السوق، وفقاً لآراء التجار.

العقوبات والاستثمار

يقول فادي أنجو، من سكان دمشق، إن "العقوبات على القطاع المصرفي أدت إلى شل حركة الاستثمار في البلاد، ورفعها ضروري لعودة المستثمرين والتجار من الخارج." ويطالب الحكومة بالاستماع مباشرة إلى المستثمرين في الداخل والخارج، مؤكداً أنهم قادرون على المساهمة الفعالة في تحسين الوضع الاقتصادي. لكنه يشير أيضاً إلى مشكلة داخلية في القطاع المصرفي، موضحاً أن "العاملين في القطاع المصرفي اليوم يفتقرون إلى الخبرة، والكادر القديم غير موجود."

من جانبه، يرى سليمان عبد الله أن العقوبات "أرهقت الاقتصاد السوري" وأغلقت أبواب الاستثمار، في وقت يعاني فيه السكان من تدني الدخل وتداعيات الحرب. ويقول إن "رفع العقوبات خطوة ضرورية لتحسين الواقع الاقتصادي." أما محمد عبد المجيد، العامل في القطاع التجاري، فيشير إلى أن "الشعب هو من يدفع الثمن في النهاية." ويوضح أن العقوبات تسببت بمعاناة حقيقية للتجار والمستثمرين، وأن "الخوف من هذه العقوبات هو ما يمنع الكثيرين من العودة إلى السوق السورية".

فيما يشدد الدكتور عبد الرزاق حساني، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، على أن القطاع المصرفي السوري لا يعمل بمعزل عن المنظومة الدولية، حيث إن جزءاً أساسياً من نشاطه يتعلق بالعمليات الدولية كاستقدام رؤوس الأموال لتمويل الاستثمارات وعمليات الاستيراد والتصدير. ويضيف أن هذه العمليات تمر عبر نظام التحويلات العالمي (سويفت)، مما يجعل استمرار العقوبات عائقاً حقيقياً أمام إتمام هذه الأنشطة المالية الحيوية.

والشهر الماضي، رفعت وزارة الخارجية البريطانية 24 كياناً سورياً من قائمة العقوبات، من بينها البنك المركزي وبنوك أخرى وشركات نفط، وقالت إن الكيانات المرفوعة من قائمة العقوبات لم تعد خاضعة لتجميد الأصول.

أسباب تراجع المصارف

طوال فترة حكم عائلة الأسد (1970-2024)، عانى القطاع المصرفي العام من خلل هيكلي على الرغم من إدخال بعض التحديثات على منظومته، لكنه بقي في مجمل الأمر أسير دوره كمقدم خدمة حكومية. ويتألف القطاع المصرفي العام في سوريا من 6 مصارف مملوكة للدولة، أقدمها المصرف الزراعي التعاوني الذي تأسس في عام 1888، إلى جانب 3 مصارف حديثة تجاري وصناعي وعقاري ومصرفين للإقراض والتسليف الشخصي.

يضاف إلى ذلك 11 مصرفاً خاصاً و4 مصارف إسلامية تأسست في الفترة بين عامي 2004 و2023 بعد أن أضفى النظام السابق الشرعية على البنوك الخاصة، وسمح بمنح تراخيص للبنوك الأجنبية في ديسمبر/كانون الأول 2002 بموجب قانون يسمح بإنشاء بنوك خاصة ومشتركة.

ويرى الدكتور عبد الرزاق حساني أن أسباب تراجع القطاع المصرفي لا تقتصر على العقوبات فحسب، بل تتعداها إلى عوامل داخلية، من أبرزها ضعف الإدارة والخبرة في المصارف العامة، والانغلاق الإداري، وغياب الفكر الاقتصادي الحديث، حيث لا تزال "العقلية الحكومية" هي المهيمنة على هذا القطاع. ويشير إلى أن "العمل المصرفي له طبيعة فنية خاصة، ويعرف بأنه فن إدارة المال، لكنه في سوريا يعاني من ضعف الخبرات وتدني الأجور، إضافة إلى استخدام برمجيات قديمة أثرت عليها العقوبات بشكل مباشر."

كما يوضح أن محدودية رؤوس الأموال في معظم المصارف، باستثناء المصارف الإسلامية، تعرقل تنفيذ عمليات استثمارية أو تمويلية كبيرة. ويلفت حساني أيضاً إلى وجود فساد إداري ومالي في القطاع، خاصة في ملف القروض الكبرى الممنوحة لرجال أعمال متنفذين. ويستذكر مرحلة تشكيل لجنة لمعالجة القروض المتعثرة في عهد حكومة عماد خميس في النظام السابق، مشيراً إلى أن بعض رجال الأعمال تمكنوا من "شراء الضمانات بمبالغ زهيدة، على حساب المقترضين الأصليين."

الثقة والاستقطاب

يرى الدكتور حساني أن ثقة المواطن العادي بالقطاع المصرفي ما زالت ضعيفة، موضحاً: "عندما تودع مبلغاً كبيراً في المصرف، تجد نفسك مقيداً بسقف سحب يومي لا يتجاوز بضعة ملايين، وأي محاولة لسحب مبلغ كبير تتطلب موافقة من البنك المركزي." ويعتبر أن هذا التقييد "دون وجود خطة واضحة أو مبررات معلنة أضعف الثقة لدى المواطن."

أما عن ثقة المستثمرين العرب أو السوريين في الخارج، فيرى حساني أن العقوبات هي العائق الأبرز، ويقول: "لا يمكن الحديث عن جذب استثمارات بدون خطة واضحة من الحكومة والبنك المركزي، مع التنسيق مع هيئة الاستثمار وحتى مع بعض الدول الغربية في حال وجود استثناءات." ويحذر من أن التحايل على العقوبات، كما حدث في فترات سابقة، قد يرفع تكاليف التعاملات أو يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية من جهات دولية مثل "منظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".

ويعتبر أن هذا التحدي يستوجب موقفاً حاسماً من الحكومة والإدارة المصرفية، مشدداً على ضرورة الاستمرار بالمطالبة برفع العقوبات لتعزيز الثقة بالقطاع المصرفي السوري. ويشدد على أنه من الضروري أن تعمل الحكومة الجديدة في المرحلة الانتقالية على وضع سياسة مالية ومصرفية شفافة لاستقطاب الاستثمارات مجدداً.

وفي أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، نقلت وكالة رويترز عن محافظ البنك المركزي السوري السابق ميساء صابرين قولها "إن البنك المركزي بصدد إعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة، وتوسيع الخدمات المصرفية الإسلامية بمنح البنوك التي تقدم خدمات تقليدية خيار افتتاح فروع مصرفية إسلامية، نظراً لوجود شريحة من السوريين تتجنب استخدام الخدمات المصرفية التقليدية". وبحسب الوكالة، فإن العمل جارٍ على إعداد مسودة تعديلات على قانون البنك المركزي لتعزيز استقلاليته، بما في ذلك منحه مزيداً من الحرية في اتخاذ القرارات بشأن السياسة النقدية.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: