الجمعة, 28 نوفمبر 2025 02:14 AM

الكوميديا السورية تنطلق بقوة: جيل جديد يكسر حاجز الصمت

الكوميديا السورية تنطلق بقوة: جيل جديد يكسر حاجز الصمت

تشهد الكوميديا السورية تحولاً ملحوظاً بعد فترة النظام السابق، حيث انتقلت من المسارح الخاضعة للرقابة إلى منصات مفتوحة يقودها جيل جديد داخل سوريا وخارجها. يقدم كل من أليكس وريكاردو نماذج منعشة تعيد الكوميديا إلى جمهور مرهق، وتحولها إلى فضاء للحوار، رغم التحديات القائمة.

على الرغم من جذورها العميقة في المسرح السوري منذ الستينيات، لم تكن الكوميديا السورية غزيرة ومتنوعة مثل نظيراتها في دول أخرى. ظلت مقيدة بتراث أكاديمي ولغة رفيعة نسبياً، حتى في الأعمال الأكثر شعبية. من دريد لحّام ونهاد قلعي، وصولاً إلى تجارب المسرح السياسي، بقي الشكل الكوميدي محصوراً داخل بنية ثقافية رسمية تتطلب خشبة مسرح، وميزانية، وبيروقراطية، ورقابة.

قبل أكثر من نصف قرن، وبعد هزيمة عام 1967، التي أثرت بشدة على الشارع السوري ونظرته لذاته، ظهرت شرارة أول كوميديا سياسية صريحة: «مسرح الشوك» الذي أسسه الفنان الحلبي عمر حجّو. اقترب المسرح آنذاك من نموذج «الكباريه السياسي»، لكن بخفة ظل وجرأة غير مسبوقة، متجاوزاً خطوطاً حمراء عديدة، في حين اختارت السلطة السماح بالعرض لامتصاص الغضب العام.

اليوم، لا توجد سلطة قادرة على المنع، ولا شروط فنية مطلوبة. انتقلت الكوميديا السورية إلى فضاءات مفتوحة على العالم عبر منصات بلا سقف، مما أتاح للجمهور التعرف على أصوات شابة تحاول تقديم الجديد بلغة نقدية قريبة من الناس، وتخرجهم من ثقل الأيديولوجيا والاستقطاب السياسي إلى خفة السخرية اليومية.

في ظل تراجع هامش النقد في الصحافة التقليدية، خاصة في لحظات التوتر السياسي والانقسامات الحادة، ظهر شبان سوريون في المنفى يجربون أدوات ومنصات جديدة لكسر الخوف ومنع إعادة إنتاج استبداد مشابه لما قبل سقوط «البعث».

في هذا السياق، التقى الشابان السوريان أليكس معوّض وريكاردو باصوص في باريس. انطلاقاً من خلفيتين مختلفتين وبيئتين اجتماعيتين وسياسيتين متباينتين، توصلا إلى قناعة مشتركة: الكوميديا قادرة على خلق حوار، وتخفيف الاستقطاب، وتدريب جمهور مجروح على الإصغاء لبعضهم البعض.

يقول أليكس معوّض عن خروجه من سوريا عام 2015: «طلعت من هون والروسي فات من هون». غادر طرطوس إلى باريس للدراسة، وبعد تجارب أكاديمية متعثرة، استقر على هندسة الطاقة الحيوية. دخوله عالم الفن كان مصادفة، لكن طريقه المستقيم بدأ عندما اتجه نحو الكوميديا الاجتماعية. ويضيف: «الكوميديا كانت وسيلتي لأحكي عن سوريا بطريقة يتقبلها الناس». انتشرت فيديوهاته الساخرة من الحواجز الأمنية أثناء مشاركة الفريق الأولمبي في أولمبياد باريس بشكل واسع.

لكن سقوط النظام السوري السابق لم يمنحه الحرية الكاملة التي توقعها. ويشير إلى أنه اضطر لحذف أول فيديو له عن «الرئيس الشرع» بسبب تهديدات. ويستعد أليكس لجولته الكوميدية الأولى مع ريكاردو، التي ستمر بسبع مدن أوروبية.

من جهة أخرى، تبرز تجربة ريكاردو باصوص كأحد أشكال السخرية السورية الجديدة. يستخدم الدمى لإعادة بناء ذاكرة سورية صوتية ولغوية، مستعيداً روح السرد الشعبي. عاش ريكاردو سنوات طويلة كموظف مصرف وكاتب «سري» ينشر نقداً سياسياً بجرأة. غادر حلب عام 2015 نحو غازي عنتاب، بحثاً عن مساحة للتعبير.

بعد انتشار خواطره الساخرة، عمل في «تلفزيون سوريا» في برنامج «نور خانوم». لكن انطلاقته الحقيقية كانت أثناء جائحة كورونا، حين اشترى دمية خفاش لاستخدامها في فقرة تلفزيونية، ثم ابتكر شخصيتي «عدنان وسوسن» المستوحيتين من ملامح عصام عبه جي ووفاء موصللي.

بعد سلسلة حوادث عنصرية في تركيا، انتقل ريكاردو إلى أوروبا، آخذاً «عدنان وسوسن» معه. أطلق حلقة خاصة بعنوان «عودة ماهر» كتعليق على الشائعات التي انتشرت في سوريا بعودة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بعد سقوط نظام أخيه.

يقول ريكاردو: «كتير من الجمهور بيجي على عروض الستاند آب كوميدي اللي بقدمها ليشوف عدنان وسوسن»، مضيفاً أن عروضه الخاصة على المسرح أكثر جرأة وأقل عائلية. ويضيف: «كتير مهم وجود صوتين من أجيال مختلفة وربما سياسية مختلفة، لكن منحكي نفس اللغة يللي هيي الكوميديا».

بين تجربتي أليكس وريكاردو، يمكن قراءة تحول الكوميديا السورية إلى مساحة سياسية اجتماعية جديدة، غير خاضعة لمؤسسات الدولة ولا للرقابة التقليدية. جيل يرى في السخرية وسيلة لإنقاذ حياة سياسية واجتماعية في سوريا. في باريس، يبدأ أليكس وريكاردو جولة كوميدية صغيرة، قد تكون جزءاً من قصة أكبر هي قصة عودة السوريين إلى الكلام… ولو عبر ضحكة.

مشاركة المقال: