الإثنين, 14 يوليو 2025 06:52 PM

الموزاييك الدمشقي: حكاية حرفة عريقة تتحدى الزمن في دمشق

الموزاييك الدمشقي: حكاية حرفة عريقة تتحدى الزمن في دمشق

تُعتبر صناعة الموزاييك من أقدم وأشهر الصناعات التقليدية في دمشق، حيث تشتهر بتزيين الأثاث والتحف الخشبية بأشكال هندسية معقدة ومتقنة. هذا الفن يعتمد على تطعيم الخشب بالصدف أو بأنواع مختلفة من الخشب الملون لإنشاء زخارف وتصاميم فنية رائعة.

يعود تاريخ صناعة الموزاييك في دمشق إلى مئات السنين، وهي من الحرف اليدوية العريقة التي اشتهرت بها المدينة. يُعتبر الموزاييك الدمشقي جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي لدمشق، ويعكس تاريخها العريق وفنها الأصيل. يتميز بقيمته الفنية العالية، حيث يُعتبر تحفاً فنية فريدة تعكس الهوية العربية والإسلامية بتصاميمها المميزة.

يجذب الموزاييك الدمشقي السياح من جميع أنحاء العالم، حيث يُعتبر من أبرز الصناعات التقليدية التي يمكن شراؤها كهدايا تذكارية. وقد التقت صحيفة "الوطن" بالحرفي زياد حداد، صاحب ورشة لصناعة الموزاييك الدمشقي، للتعرف على آلية هذه الصناعة وأهم المعوقات التي تواجهها.

يعرّف حداد الموزاييك قائلاً: "هي حرفة يدوية بحتة ذات تاريخ عريق يعبق بالأصالة الدمشقية، ويعبّر عن الهوية العربية الخالصة. أبدع الدمشقيون في الموزاييك الدمشقي وتوارثها الآباء عن الأجداد وورثوها للأبناء. هي حرفة ذات أشكال هندسية عدة، ويتجاوز عدد رسوماتها أكثر من مئة، وهي رسومات محكمة الزوايا ومصنوعة بعناية فائقة وبشكل دقيق جداً لا يقبل الخطأ. تتضمن ما هو رباعي وخماسي وسداسي وثماني، والحرفي الذي يعمل فيها يبدع في صنع الرسومات من أجل جمالية اللوحة المراد تصنيعها".

وأضاف: "صنع منها الكثير من أطقم الجلوس والاستقبال والدواوين وغرف المعيشة وغرف النوم، وهي ذات طابع شرقي تتراوح في حوالي ١٥ نوعاً، ولكل نوع منها خصوصية متميزة ومتفردة. كذلك توضع على الجدران والأسقف لتعطي رونقاً دمشقياً عريقاً بجماليته العالية، وصنع من الموزاييك الخشب ثريات بغاية الجمال وأيضاً طاولات النرد بأشكال كثيرة ومتنوعة".

من ناحية الألوان، كشف حداد أنه يتم استخدام خشب الليمون للون الأصفر وخشب الجوز للأسود والكينا للأحمر والحور للأبيض، وبالطبع لا يُستغنى عن شجر الزيتون والمشمش والسرو. وإن أُريد لون معين وتعذر الحصول عليه من الأخشاب، يتم الاستعانة بوعاء مخصص لذلك توضع القطعة المراد تلوينها فيه، وتترك لعدة أيام لكي تتشرب اللون تماماً وتحصل على النسيج المطلوب. وقد أضيف لهذه المهنة البلاستيك الأبيض في بعض الأحيان.

وأكد حداد أن معظم السائحين لا ينهون زيارتهم إلى سوريا إلا إذا اصطحبوا معهم قطعة واحدة على الأقل من الموزاييك الدمشقي، للتباهي بها والاحتفاظ بها لما لها من جمالية عالية وطابع خاص فريد.

تبدأ مراحل التصنيع، بحسب حداد، من رسم تصميم أولي للقطعة المطلوبة على لوح خشبي، ولا بد من وجود ضلعين متوازيين ومتساويين، ثم تتبعها مرحلة قص الخشب بوساطة المنشار الكهربائي. من الضروري أن تكون أحجام هذه القضبان متساوية ما يسمح بتنسيقها في شكل معين، ثم يتم تجميعها في شكل هندسي بديع. بعدها تربط العيدان بخيط يثبتها وتوضع في الغراء لمدة يوم كامل لكي تتماسك وتصبح قطعة واحدة. بعد ذلك تأتي مرحلة قص هذه القطعة التي تماسكت لتعطينا حوالي ٧٠ قشرة، وتدعى هذه القشور بالموزاييك، ونقوم بإلصاقها على المصنوعات الخشبية ويتم لصقها بوساطة الغراء. أخيراً يتم تطعيم الموزاييك بالصدف البحري أو الصناعي بعد حفر مكان الصدف ونضع محلها مادة معجونية لسد هذه الحفرة ثم نقوم ببرده حتى يصبح ملمسه ناعماً.

أما عن المعوقات والصعوبات التي تواجهها هذه المهنة، فقد أوضح حداد أن ارتفاع أسعار المواد الأولية يشكّل أول عائق أمام ممتهنيها، إضافة إلى صعوبة نقلها، وغلاء المعيشة على وجه العموم والضائقة المالية التي جعلت تأمين أساسيات المعيشة أهم أولويات الناس، بحيث أعرض الناس عن الكماليات والجماليات. وأوضح أن تخفيف الضرائب المالية يسهم بالتأكيد بتخفيض العبء على الحرفيين، وكذلك من خلال تقديم بعض التسهيلات من البنوك بإحداث القروض التي تخص ذلك. كما يمكن لإقامة المعارض الشعبية ومعارض المنتجات اليدوية أن تغني وتثري حرفة الموزاييك، وذلك بالتنسيق بين وزارتي السياحة والثقافة. لافتاً إلى أن الكثير من الورش تعرضت للتدمير والتخريب خلال حكم النظام البائد.

الوطن – مصعب أيوب

مشاركة المقال: