الأربعاء, 10 سبتمبر 2025 01:20 AM

النجمة السداسية: قصة رمز استولى عليه الصهاينة من حضارات الشرق القديم

النجمة السداسية: قصة رمز استولى عليه الصهاينة من حضارات الشرق القديم

النجمة السداسية التي تتوسط علم الكيان ليست ذات أصل توراتي. هذا الشكل الهندسي، الذي يرتبط في أذهان الكثيرين بصور القنابل والطائرات والدبابات والموت، ليس رمزاً توراتياً أصيلاً، ولا يظهر في الأسفار كشعار ديني.

يعود أصل النجمة السداسية إلى حضارات المشرق القديم، من الكنعانيين والفينيقيين إلى البابليين، حيث ظهرت الأشكال النجمية، مثل نجمة إنانا/عشتار ذات الثمانية رؤوس، بينما كان حضور النجمة السداسية أقل شيوعاً.

انتقلت النجمة عبر القرون لتظهر في زخارف المعابد والكنائس والمساجد، قبل أن تدخل إلى الثقافة اليهودية عبر الكابالا (الصوفية اليهودية) والتمائم السحرية.

لاحقاً، تحولت النجمة إلى شعار جماعي ثم قومي مع ظهور الصهيونية في القرن التاسع عشر، وأخيراً إلى شعار عسكري على الدبابات والطائرات. إنها قصة هوية مصطنعة، حيث استولت جماعة على شعار لا يمت لها بصلة.

لم تعرف اليهودية القديمة النجمة السداسية، بل كان رمزها الأصيل هو الشمعدان السباعي (المينوراه)، المذكور في سفر الخروج والمحفور على «قوس تيطس» في روما بعد تدمير الهيكل عام 70م. ظل الشمعدان رمزاً لليهودية لقرون طويلة.

منذ آلاف السنين، ظهرت النجوم المتعددة الرؤوس في حضارات المشرق. في وادي الرافدين، نُقشت نجوم متعددة الرؤوس، وأشيعها الثمانية، على المسلات والألواح، وارتبطت النجوم بإنانا وعشتار وبالكواكب ودورات الحياة. ظهرت النجوم على القبور القديمة كرمز للسماء والخصوبة.

في مدن الساحل الشرقي للمتوسط، عُثر على فخاريات تحمل زخارف نجمية. وفي النقوش الفينيقية، تكررت النجوم في المعابد وعلى الحلي. وفي العمارة الرومانية والبيزنطية، استُخدمت الأشكال النجمية في الأرضيات والجدران، ودخلت النجوم ضمن الزخارف الحجرية والرخامية في الكنائس.

في العصور الإسلامية، توسعت الزخارف النجمية. وُضعت شبكات هندسية تضم سداسيات وثمانيات على جدران المساجد. وفي خربة المفجر قرب أريحا (قصر هشام الأموي)، ظهرت أرضيات وقاعات كاملة مرصوفة بنجوم متداخلة. وفي دمشق والقاهرة وفاس، انتشرت الأنماط النجمية في زوايا الصلاة والزخارف المتدلية والنوافذ.

داخل اليهودية القديمة، استمر حضور الشمعدان السباعي. في سفر الخروج، ورد وصف المينوراه بالتفصيل. وفي «قوس تيطس» المنصوب في روما بعد عام 70م، نُحت الشمعدان السباعي وهو محمول في استعراض انتصار الرومان بعد تدمير القدس. في هذه المرحلة، لم يظهر أي أثر للنجمة السداسية كرمز يهودي، وظل المينوراه الشعار الأصيل في القرون التالية.

في القرن الثاني عشر، ورد مصطلح «درع داوود» عند يهودا هداسي في كتاب «عنقود الحناء» (Eshkol ha-Kofer). استخدم هداسي العبارة في سياق تمائم للحماية وذكرها إلى جانب أسماء ملائكة.

في هذا الزمن، لم يتحدث أي نص يهودي عن شكل سداسي مرسوم. في النصوص السحرية القديمة ظهرت النجمة الخماسية وخاتم سليمان، وبرز الخماسي أولاً، ثم استُخدم السداسي لاحقاً في بعض التقاليد.

مع توسع الكابالا (الصوفية اليهودية) في أوروبا، استُعيد الشكل السداسي وأُدرج في رسومات الكابالا. في الأخيرة، صار علامة لتوازن القوى الإلهية: العلوي والسفلي، الذكر والأنثى، الرحمة والجبروت. أفكار مأخوذة من روح التعاليم الهرمسية والكيميائية التي كانت سائدة في أوروبا: اتحاد العناصر الأربعة، الأعلى من الأسفل والأسفل من الأعلى.

في التمائم السحرية، استُخدمت النجمة للحماية من الأرواح. ارتبط اسمها بـ «خاتم سليمان»، وهو تراث مشترك بين اليهودية والإسلام، يُنسب إلى الملك تسخيرُ الجان بفضل خاتم يحمل نجمة سداسية أو خماسية والذي تحور من مصطلح «درع داوود» في كتاب هداسي.

في القرن الرابع عشر، منح كارل الرابع (إمبراطور روماني مقدس حكم من 1355م حتى 1378م، وكان ملك بوهيميا، تشيكيا اليوم) يهود براغ حق رفع علم، فاختاروا علماً أحمر يحمل نجمة داوود. في القرن الخامس عشر، رفع يهود المجر أعلاماً تحمل أشكالاً نجمية مشابهة. في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، انتقلت النجمة إلى مطابع يهودية في هولندا وإيطاليا وألمانيا. في هذه المطابع، وُضعت النجمة علامة على الكتب لتدل على الملكية وليس بصفتها شعاراً يهودياً.

في القرن السابع عشر، تُذكر حالات لوضع السداسي علامةً لحدود الحي اليهودي مقابل الصليب في الحيّ المسيحي. مع القرن التاسع عشر، دخلت النجمة مرحلةً جديدة. مع صعود القوميات الأوروبية، بحث اليهود عن رمز يوازي الصليب المسيحي والهلال الإسلامي. هنا بدأت النجمة تتحول من زخرفة صوفية إلى شعار هوية.

في أواخر القرن التاسع عشر، اعتمدت «الجمعية الأميركية للنشر اليهودي» النجمة شعاراً لها. في عام 1897، تبنى المؤتمر الصهيوني الأول في بازل النجمة السداسية رمزاً للحركة. بعد ذلك، اعتمدتها صحف صهيونية في فيينا. مع الوقت، تحولت النجمة إلى رمز جامع في الوعي الحديث.

في الحرب العالمية الثانية، فرض النظام النازي على اليهود ارتداء الشارة الصفراء لتكون علامة فارقة تميّزهم عن باقي السكان. بدأ الإجراء في بولندا عام 1939 مع اجتياحها، ثم تحوّل إلى سياسة شاملة فُرضت في ألمانيا 1941، وفي هولندا في 3 أيار (مايو) 1942، وفي المنطقة المحتلة من فرنسا في 7 حزيران (يونيو) 1942. لم تكن الشارة مجرد قطعة قماش؛ لقد كانت أداة عزل اجتماعي وإذلال علني، جعلت من كل يهودي هدفاً سهلاً للملاحقة والإقصاء.

تظهر الصور الأرشيفية التي توثّق تلك المرحلة وجوهاً مثقلة بالخوف والعار، فيما تلمع النجمة الصفراء وسماً قسرياً يجرّد الإنسان من كل شيء. منذ تلك اللحظة، صارت النجمة رمزاً دينيّاً وثقافياً منزوع المعنى الأصلي، وتحولت في الذاكرة الحديثة إلى علامة مرادفة للاضطهاد والتمييز، تستحضر معاني الإقصاء والإبادة الجماعية التي ارتكبها النازيون.

بعد انتهاء الحرب، أدرك المشروع الصهيوني قوة الرمزية التي اكتسبتها النجمة بعد المحرقة، فحوّلها إلى ركيزة أساسية في بناء هويته السياسية.

في عام 1948، ومع إعلان قادة الاحتلال قيام «إسرائيل»، رُفعت النجمة على العلم الجديد لتصبح العلامة البصرية الأبرز للكيان الوليد. اقتصر حضورها على الأعلام، ثم امتد إلى الدبابات والطائرات الحربية، فصارت ترافق آلة القمع والتوسع العسكري. والشعار الرسمي للوثائق والأختام هو المينوراه منذ 1949؛ تحضر النجمة أساساً على العلم والرايات العسكرية.

بالتوازي، حافظت سلطات الاحتلال على الشمعدان بوصفه شعاراً مؤسسياً في الوثائق والدبلوماسية، ليبدو المشهد تركيباً مزدوجاً: النجمة في المجال العام والعسكري رمز سيادي جامع، والشمعدان في الحقل الرسمي والدولي دليل على استمرارية التراث الديني.

هكذا جرى توظيف الرمزين معاً لإضفاء شرعية تاريخية ودينية على كيان احتلال حديث، يسعى إلى تثبيت نفسه عبر استثمار الذاكرة والرموز.

يفصل هذا البحث بين اليهودية ورمزها المؤسسي المينوراه، وبين المشروع الصهيوني الذي استثمر الذاكرة الحديثة وصاغ علمه على النجمة. يدعو الوعي النقدي إلى قراءة الرموز ضمن سياقاتها، وتحريرها من السرديات التي تدفعها إلى خدمة الاستعمار.

يحترم هذا التفكيك الذاكرة الإنسانية، ويُظهر مسارات الاستحواذ والتمويه. يضع النص النجمة في مكانها: علامة تاريخية متحوّلة، لا قداسة لها خارج السياق، ولا براءة حين تُطبع على آلة القتل.

علي عواد - أخبار سوريا الوطن

مشاركة المقال: