دير الزور – عبادة الشيخ: يواجه ريف دير الزور الشمالي خطرًا بيئيًا وإنسانيًا متزايدًا بعد الانهيار الجزئي لقناة ري "الصبحة"، التي تعتبر شريان الحياة الرئيسي للمنطقة. هذا الانهيار، الذي لم يحدث فجأة، جاء نتيجة لتصدعات وإهمال مستمر طال بنية القناة على مدار الأشهر الماضية، في ظل تحديات جمة يواجهها السكان لتأمين أبسط مقومات الحياة.
تضم محطة ري "الصبحة"، المعروفة أيضًا باسم قناة "الخابور"، ثلاث محطات للمياه، وتقوم بري 150,000 دونم (الدونم الواحد يعادل نحو 1000 متر مربع)، يستفيد منها حوالي 450,000 شخص. وتضخ المياه عبر قناة صندوقية تصل إلى بلدة الصور، بينما تقوم محطات فرعية أخرى بتوزيع المياه على الأراضي الزراعية.
التآكل والإهمال يجهز على القناة
وقع الانهيار الأخير في أواخر تموز الماضي، وتحديدًا في منطقة الحجنة شمالي دير الزور. أدى تآكل جسم القناة إلى تسرب كبير للمياه، وصفه المهندس أحمد المجحم، العامل في المحطة، بأنه "كارثي". ونتيجة لذلك، فقدت القناة الضغط بالكامل وتوقف تدفق المياه.
أوضح المجحم لعنب بلدي أن هذا الانهيار هو تتويج لسلسلة من الإهمال والتدهور الذي شهدته القناة. وقبل هذا الانهيار، عانت القناة من انهيار سابق في منطقة الجعار بين قريتي الحريجية والربيضة شمالي دير الزور. ورغم ذلك، استمرت القناة في العمل بشكل جزئي، حيث كانت المياه تصل بصعوبة إلى حدود الحريجية قبل أن يتوقف الضخ تمامًا. وكان الانهيار الأخير بمثابة الضربة القاضية التي أنهت أي أمل في تشغيل القناة.
تشير التقارير الهندسية الأولية، بحسب المجحم، إلى أن التآكل الذي طال جسم القناة لم يكن طبيعيًا بالكامل، بل كان نتيجة لعدة عوامل متراكمة، أبرزها عدم وجود صيانة دورية فعالة، واستخدام مواد بناء رديئة في أعمال الترميم السابقة، ما جعل القناة غير قادرة على تحمل الضغط المستمر للمياه، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتغير طبيعة التربة في المنطقة.
معاناة الأهالي
مع توقف تدفق المياه، يواجه الأهالي أزمة حقيقية في تأمين مياه الشرب، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ووصل سعر الخزان (نحو 1000 ليتر من المياه) إلى 60,000 ليرة سورية (نحو ستة دولارات)، وهو ما يفوق قدرة العديد من الأسر على تحمل هذا العبء المالي. ويضطر الأهالي إلى الاعتماد على صهاريج المياه الخاصة، التي أصبحت المصدر الوحيد للمياه، ولكن بأسعار مبالغ فيها.
عبّر بطيحان العلاوي، وهو من سكان قرية الحريجية، عن استيائه من الوضع قائلًا: "كنا نعتمد بشكل كامل على مياه القناة للشرب والزراعة، والآن لا نعلم كيف نقوم بتأمين المياه مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم وجود كهرباء، فكل ما نملكه هو القليل من المال ولا يكفي لشراء المياه بهذه الأسعار المرتفعة". وأضاف: "حياتنا توقفت، لا زراعة، ولا مياه شرب. لقد أصبحنا نبحث عن قطرة ماء مثلما نبحث عن لقمة العيش".
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن أصحاب صهاريج المياه أنفسهم يعانون. ذكر خالد السرحان، وهو صاحب صهريج مياه، أن الطلب على المياه أصبح كبيرًا جدًا، ولا يستطيعون تلبية جميع الطلبات في ظل الظروف الصعبة، مشيرًا إلى تكاليف التشغيل التي ارتفعت بشكل كبير. وبحسب خالد، ارتفعت أسعار الوقود وقطع الغيار بشكل كبير، وهذا ينعكس على سعر توصيل المياه، مضيفًا: "نحن لسنا تجار أزمات، بل نحاول فقط تغطية تكاليفنا ومساعدة الناس قدر الإمكان".
بسبب "الفساد"
انهيار القناة لم يكن بسبب كارثة طبيعية، بل جاء نتيجة مباشرة للفساد والإهمال الذي طال أعمال الصيانة، بحسب موظف في لجنة الخدمات بـ"مجلس دير الزور المدني" التابع لـ"الإدارة الذاتية" وهي الذراع الحوكمية في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). وأكد الموظف، الذي فضل عدم نشر اسمه لمخاوف أمنية، أنه وردت العديد من الشكاوى حول التصدعات التي كانت تظهر في جسم القناة، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات حقيقية، أو أن الإجراءات التي اتُخذت كانت شكلية وغير فعالة.
وأشار إلى أن "الفساد" كان واضحًا في أعمال الصيانة الأخيرة، حيث تم استخدام مواد رديئة لم تتمكن من الصمود أمام تآكل التربة وتدفق المياه القوي، وهو ما أدى إلى انهيار جزء كبير من القناة. وأوضح أن الترميمات التي تمت لم تكن سوى مجرد تغطية شكلية لمشكلة عميقة. وبدلًا من إعادة بناء الأجزاء المتضررة بالكامل، تم الاكتفاء بوضع طبقات ضعيفة من الأسمنت غير المقاوم للتآكل، ما أدى إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها. وأكد أن الفساد لم يقتصر على نوعية المواد، بل امتد إلى آليات التنفيذ، حيث كانت هناك تقصير في الإشراف والمتابعة، ما سمح للمقاولين المنفذين بالتلاعب بالمواصفات الفنية للمشروع.