دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدول ذات النفوذ إلى التحرك العاجل لحماية المدنيين وضمان العدالة في غزة، مؤكدة أن خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لا تغني عن الإجراءات الفورية المطلوبة. وذكرت المنظمة في تقرير نشرته يوم الاثنين 6 تشرين الأول، أن الخطة المكونة من 20 بندًا لا تعالج بشكل مباشر قضايا حقوق الإنسان أو المساءلة عن الجرائم الخطيرة التي ارتُكبت منذ 7 تشرين الأول 2023.
وشددت المنظمة على ضرورة اتخاذ الحكومات إجراءات فورية، بما في ذلك حظر الأسلحة، وفرض عقوبات محددة الأهداف، ودعم "المحكمة الجنائية الدولية"، وذلك وفقًا لالتزاماتها القانونية الدولية لمنع الانتهاكات المستمرة ووقفها، بغض النظر عن تنفيذ خطة ترامب من عدمه.
وأشار عمر شاكر، مدير قسم إسرائيل وفلسطين في "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن العامين الماضيين شهدا فظائع متواصلة ضد المدنيين دون تهدئة أو تحقيق للعدالة. ودعا الحكومات إلى عدم انتظار اعتماد خطة ترامب أو أي خطة أخرى للتحرك الفوري لحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
وأكد شاكر أن القمع المتزايد بعد عقود من "عمليات السلام" يجب أن يوضح خطورة الاكتفاء بخطط السلام لمعالجة الانتهاكات الجسيمة، مطالبًا باتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة لحماية أكثر من مليوني فلسطيني والرهائن الإسرائيليين في غزة.
وذكرت المنظمة أن الجرائم التي ارتُكبت في إسرائيل وفلسطين خلال العامين الماضيين أوقعت خسائر فادحة في صفوف المدنيين، حيث قُتل وشُوّه الآلاف، وتعرضوا للتجويع والتهجير القسري والاحتجاز كرهائن أو الاعتقال غير القانوني، ودُمرت مدن وأحياء ومجتمعات بأكملها.
وأوضحت المنظمة أن "حماس" وفصائل مسلحة فلسطينية أخرى قتلت مئات المدنيين في المهرجانات والمنازل في جنوبي إسرائيل خلال هجمات 7 تشرين الأول 2023، واحتجزت عددًا كبيرًا من المدنيين كرهائن، ولا يزال العديد منهم محتجزين، بمن فيهم من يتضورون جوعًا في الأنفاق.
وفي تقريرها الصادر في تموز 2024، أكدت المنظمة أن الفصائل المسلحة الفلسطينية ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والسجن غير القانوني. ودعت الحكومات التي لها نفوذ على "حماس" والفصائل المسلحة الفلسطينية الأخرى إلى الضغط من أجل الإفراج الفوري عن الرهائن المدنيين، الذين يشكل احتجازهم جريمة حرب مستمرة.
وفيما يتعلق بغزة، أشارت المنظمة إلى أن القوات الإسرائيلية قتلت عشرات الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم مدنيون، بما في ذلك إبادة عائلات بأكملها، وتحويل معظم قطاع غزة إلى أنقاض بسبب العمليات العسكرية، وتدمير أحياء ومدن بأكملها، وإلحاق أضرار جسيمة بمعظم المنازل والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية أو تدميرها. كما تسببت إسرائيل في مجاعة، مستخدمة التجويع كسلاح حرب، وهجرت قسرًا جميع السكان تقريبًا مرات عدة.
وأكدت "هيومن رايتس ووتش" أن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام ذكرت مرارًا وتكرارًا أن أفعال إسرائيل في غزة تنتهك القانون الدولي بشكل خطير، وأن المنظمة وجدت العديد من انتهاكات قوانين الحرب التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما فيها الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية، وانتهاك الأوامر الملزمة الصادرة عن "محكمة العدل الدولية".
وفي الضفة الغربية، قُتل أو شُوّه مئات الفلسطينيين، واعتُقل الآلاف، وكثيرون منهم دون محاكمة أو تهمة، وهُجّر عشرات الآلاف، معظمهم على يد القوات الإسرائيلية والمستوطنين.
وأوضحت المنظمة أن حجم الدمار في غزة وأنماط الهجمات أظهرت ازدراء الحكومة الإسرائيلية لالتزاماتها الأساسية بموجب القانون الدولي، وأن تجاهل الدول القوية أو حلفائها القانون الإنساني الدولي دون عواقب يقوض مصداقية النظام برمته ويضعف حماية المدنيين في النزاعات المسلحة في أماكن أخرى.
ودعت المنظمة الحكومات إلى التحرك لمنع المزيد من الفظائع والدفاع عن حقوق الإنسان، واتخاذ خطوات لوقف الانتهاكات المستمرة ودعم التحقيقات الموثوقة والمساءلة الفعالة بحق المسؤولين، بما في ذلك:
- الضغط على السلطات الإسرائيلية لرفع القيود غير القانونية الشاملة على دخول المساعدات إلى غزة فورًا ودون شروط.
- الضغط على حماس والفصائل المسلحة الفلسطينية الأخرى للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين كرهائن.
- تعليق المساعدات العسكرية ونقل الأسلحة إلى إسرائيل وحماس والفصائل المسلحة الفلسطينية الأخرى.
- فرض عقوبات محددة الأهداف، تشمل حظر السفر وتجميد الأصول، على المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم ممن تورطوا بشكل موثوق في الانتهاكات الجسيمة الجارية.
- تعليق الاتفاقات التجارية التفضيلية مع إسرائيل وحظر التجارة مع المستوطنات غير القانونية.
- الإعراب علنًا عن دعم المحكمة الجنائية الدولية والإدانة الشديدة لمحاولات ترهيب مسؤوليها والمتعاونين معها أو محاولات عرقلة عملها، والالتزام بدعم تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عنها.
خطة السلام في غزة
استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 29 من أيلول، في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد معلومات أنه مارس عليه ضغطًا في الأيام الماضية، وقال ترامب لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض إنه "واثق جدًا" بالتوصل لاتفاق بشأن غزة.
وكشف البيت الأبيض عن الخطة قبيل المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو، وتنص على تشكيل مجلس حكم مؤقت يرأسه ترامب يشرف على المرحلة الانتقالية ويضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وستتولى شؤون القطاع الفلسطيني لجنة فلسطينية "غير سياسية ومن التكنوقراط" مع استبعاد "حماس" منها.
ولا تتطلب الخطة مغادرة السكان من قطاع غزة، وتدعو إلى إنهاء الحرب فورًا في حال قبول الطرفين بها وعلى انسحاب على مراحل للجيش الاسرائيلي من غزة. كما تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل بالخطة.
وبحسب بنود أخرى وردت في الخطة، ستعمل الولايات المتحدة مع "شركاء عرب ودوليين لتشكيل قوة دولية لإرساء الاستقرار على أن تنتشر فورا في غزة". وستتولى هذه القوة تدريب ودعم "قوات الشرطة الفلسطينية المتوافق عليها" بالتشاور مع الأردن ومصر.
بدوره، شدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنه لن يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في قطاع غزة من دون تغيير جذري. وقال نتنياهو خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ترامب "سيكون لغزة إدارة مدنية وسلمية لن تقودها لا حماس ولا السلطة الفلسطينية". وأضاف مخاطبًا ترامب، "بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية، أقدر موقفكم الصلب لجهة أنه لن يكون لها أي دور في غزة من دون أن تشهد تحولًا فعليًا وجذريًا وحقيقيًا".
موافقة "حماس"
وأعلنت "حماس" في بيان موافقتها على الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين "أحياء وجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب ومع توفير الظروف الميدانية لعملية التبادل"، واستعدادها "للدخول فوراً من خلال الوسطاء في مفاوضات لمناقشة تفاصيل ذلك".
وجددت الحركة "موافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناء على التوافق الوطني الفلسطيني واستنادا للدعم العربي والإسلامي".
وأضافت أنه بشأن ما ورد "من قضايا أخرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة، فإنَ هذا مرتبط بموقف وطني جامع واستناداً إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، ويتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية".