وجّه مبعوثو سوريا والأردن والولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة رسالة مشتركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن، يدعون فيها إلى اعتماد خارطة الطريق الخاصة بحل الأزمة في السويداء وتحقيق الاستقرار في جنوبي سوريا كوثيقة رسمية.
وذكرت الوكالة السورية للأنباء (سانا) أن الرسالة، المؤرخة في 17 من أيلول 2025، تتضمن إشارة إلى خارطة الطريق لحل الأزمة في السويداء واستقرار جنوبي سوريا، وموجهة إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة.
كما تضمنت الرسالة طلبًا بتعميم الرسائل المتطابقة المرفقة كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن والدورة الـ 80 للجمعية العامة في إطار بند جدول أعمالها (34) بعنوان: الحالة في الشرق الأوسط.
ماذا يعني اعتمادها كوثيقة أممية؟
أوضح نورس العبد الله، الباحث في مركز “الحوار السوري”، أن اعتماد الاتفاق رسميًا يمنحه بُعدًا ورعاية أممية، حيث يصبح للوثيقة رقم وتسجيل في سجلات الأمم المتحدة، ما يتيح تحويلها إلى تطبيقات عملية تصدر عن مجلس الأمن.
وأضاف أنه في حال اعتماد الوثيقة داخل مجلس الأمن الدولي، فإنها ستُطرح للتصويت ويُقرّها المجلس كقرار ملزم، ما يمنحها قوة قانونية تلزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتنفيذها وفق ميثاق المنظمة. وتتم هذه الآلية خلال جلسة رسمية للمجلس وبأغلبية الأصوات، مع مراعاة حق النقض (الفيتو) الذي تملكه الدول دائمة العضوية.
وأشار العبد الله إلى أن الطلب الصادر عن الخارجية السورية يمثل رغبة لإكساب هذا الطلب صيغة ذات بعد دولي، ويعتبر تدويلًا رسميًا لأزمة السويداء، ويعطيها بُعدًا معنويًا وسياسيًا دوليًا في متابعة تطبيق بنود الخارطة. كما يدل هذا الطلب على وجود خشية من الحكومة السورية من بقاء الاتفاقية في طي التراجع وعدم القبول، خصوصًا مع رفض اللجنة القانونية في السويداء للخارطة. ويرى العبد الله أن هذا يظهر جدية من طرف الحكومة السورية في تطبيق القرار، ويضغط معنويًا وسياسيًا على رافضي “الخارطة” في السويداء، وأيضًا على إسرائيل في حال رفضت الاتفاق.
دعم في مجلس الأمن
أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال جلسة لمجلس الأمن، على أن سوريا “تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي وإلغاء العقوبات ووقف التدخل في شؤونها الداخلية”، مشيرًا إلى أن خارطة الطريق تتضمن “تحقيق المساءلة والعدالة، إطلاق سراح المعتقلين، وإيصال المساعدات الإنسانية”. وأكد أن نجاح مسار العدالة الانتقالية شرط لإنجاح العملية السياسية.
من جهته، ذكر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، أن “الحفاظ على الزخم الدولي ضروري لدعم السوريين”، مجددًا الدعوة إلى رفع العقوبات، ومشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تعمل بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري لإيصال المساعدات إلى السويداء.
وشددت مندوبة الدنمارك، كريستينا ماركوس لاسن، على ضرورة إعطاء الأولوية لعملية سياسية جامعة، ورحبت بالمشاركة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ودعا المندوب الروسي، فاسيلي نيبينزيا، لرفع العقوبات فورًا، وندد بالتحركات الإسرائيلية في سوريا، في حين قالت المندوبة الأمريكية، دوروثي شيا، إن اتفاق السويداء يمثل “فرصة لتحقيق الوحدة والسلام”، مؤكدة استمرار الدعم الأمريكي لإعادة الإعمار. وشدد مندوبا بنما والجزائر بدورهما على ضرورة دعم الشعب السوري واحترام سيادته، مع دعوات لتعزيز الحوار السياسي وحصر السلاح بيد الدولة.
ما "خارطة الطريق لحل أزمة السويداء"؟
أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن التوصل إلى خارطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء، وذلك عقب لقاء ثلاثي في دمشق جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس براك.
وجاء الاجتماع في 16 من أيلول، استكمالًا لمباحثات سابقة استضافتها العاصمة الأردنية عمان في 19 من تموز و12 من آب الماضيين، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار في السويداء، والتوصل إلى حلول تعالج التوترات التي شهدتها المحافظة في الأشهر الماضية.
وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية، فقد اعتمد المجتمعون خارطة طريق تؤكد على أن السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا، وأن أبناءها مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، مشيرين إلى أن إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة والسكان يتطلب خطوات متدرجة لإعادة بناء الثقة وإعادة دمج المحافظة بالكامل في مؤسسات الدولة.
وأكدت الدول الثلاث التزامها بالعمل المشترك من أجل استقرار سوريا ووحدتها وسيادتها، ودعم عملية سياسية “شاملة بقيادة سورية”، تضمن مشاركة كل المكونات وتعكس التعددية الاجتماعية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف، وإنهاء الانقسامات المجتمعية.
ونصّت خارطة الطريق على جملة من الإجراءات العاجلة، من أبرزها:
- دعوة الحكومة السورية لجنة التحقيق الدولية المستقلة للتحقيق في الأحداث التي شهدتها السويداء ومحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات وفق القانون السوري.
- استمرار إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى المحافظة بالتعاون مع الأمم المتحدة، وضمان عودة الخدمات الأساسية بدعم من الأردن والولايات المتحدة.
- نشر قوات شرطية مؤهلة على طريق السويداء– دمشق لتأمين حركة المواطنين والتجارة، وسحب المقاتلين المدنيين من حدود المحافظة واستبدالهم بقوات نظامية.
- دعم جهود الصليب الأحمر للإفراج عن جميع المحتجزين والمخطوفين واستكمال عمليات التبادل.
- يدعو الأردن بالتنسيق مع الحكومة السورية وفدًا من المجتمعات المحلية في السويداء (الدروز والمسيحيون والسنة)، ووفدًا آخر من ممثلي العشائر البدوية في محافظة السويداء لاجتماعات للمساعدة في تحقيق المصالحة.
- إعلان خطط لإعادة إعمار القرى والممتلكات المتضررة، مع مساعدة أردنية وأمريكية لتأمين التمويل اللازم.
كما نصت الخارطة على تعزيز “سردية وطنية” تقوم على الوحدة والمساواة، وتجريم خطاب الكراهية والطائفية عبر تشريعات جديدة، بدعم قانوني من واشنطن وعمّان.
ترتيبات أمنية وإدارية
تضمنت خارطة الطريق خطوات لإنشاء قوة شرطية محلية تضم كل مكونات المجتمع في السويداء، على أن تكون بقيادة شخصية من أبناء المحافظة تعينها وزارة الداخلية، إضافة إلى تشكيل مجلس محافظة يمثل مختلف المكونات، يتولى التفاعل مع الحكومة وقيادة جهود المصالحة الوطنية.
كما أشارت إلى ضرورة استكمال إطلاق سراح جميع المحتجزين والمفقودين، وتعداد المفقودين وتحديدهم، وإدارة تدفق المساعدات، والتوافق على خارطة طريق للمصالحة بين الحكومة والمجتمعات المحلية.
وأكد البيان ضرورة إنهاء التدخل الخارجي في محافظة السويداء، والتأكيد على الالتزام بأن المحافظة جزء لا يتجزأ من سوريا.
وحثّ البيان على تسهيل الوصول إلى كل الأدلة التي تدعم عمل لجنة التحقيق، بما في ذلك الجثث وشهادات الشهود وكاميرات المراقبة في المناطق التي شهدت عمليات اقتتال، والتعاون مع الحكومة السورية ولجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن سوريا، لضمان المساءلة القانونية لكل من يثبت ارتكابه انتهاكات.
وأوضح البيان أن الولايات المتحدة ستعمل بالتشاور مع الحكومة السورية على التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل بشأن الجنوب السوري، تراعي “الشواغل الأمنية المشروعة للطرفين” مع الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، بدعم من الأردن.
واتفق الأطراف الثلاثة على إنشاء آلية مشتركة لمراقبة تطبيق خارطة الطريق، في إطار احترام السيادة السورية بشكل كامل.
واختتمت الخارجية السورية بيانها بالتأكيد على أن هذا المسار يعكس “إرادة مشتركة” بين دمشق وعمّان وواشنطن للمضي قدمًا في معالجة الأزمة التي عصفت بالسويداء، وتثبيت استقرار الجنوب السوري على أسس وحدة الدولة السورية وحقوق مواطنيها.
أحداث السويداء
بدأت أحداث السويداء في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة.
تدخلت الحكومة السورية في 14 من تموز، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.
في 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم.
وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.