في مشهد يعكس التناقضات الصارخة، يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجهين متباينين. فبينما يقدّم نفسه كوسيط سلام قادر على حل النزاعات المعقدة، خاصة بعد اتفاق السلام بين رواندا والكونغو، تكشف تحركات أخرى للإدارة الأميركية عن سياسات أكثر حدة وتصادمية.
هذا التناقض يثير تساؤلات حول اتساق السياسة الخارجية الأميركية ومصداقية سردية ترامب عن نفسه بأنه "رجل سلام". ففي يوم واحد، تجسدت هذه الازدواجية عندما ترأس ترامب اتفاق سلام بين الكونغو ورواندا، وفي الوقت نفسه، واجهت إدارته استجوابات بشأن جرائم حرب محتملة.
صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن عهد ترامب مليء بالتناقضات، وأن التنافر الذي ظهر يوم الخميس كان لافتاً. ففي معهد الولايات المتحدة للسلام، الذي أعيدت تسميته ليحمل اسمه، احتفل ترامب باتفاق السلام بين البلدين الأفريقيين، في خطوة رمزية أثارت انتقادات. ورغم وصف ترامب للاتفاق بأنه إنجاز كبير، حذر خبراء من أنه يبقى رمزياً ولم يوقف العنف على أرض الواقع.
في المقابل، اجتمع مسؤولون من قادة العمليات الخاصة مع أعضاء في الكونغرس لبحث الضربات التي شنتها واشنطن على قوارب في البحر الكاريبي بتهمة نقل المخدرات، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين، ما أثار جدلاً حول إمكانية اعتبارها جرائم حرب. وقد دافعت إدارة ترامب عن هذه الغارات بحجة أن المستهدفين كانوا "مقاتلين".
شبكة "سي ان ان" رأت أن هذه المراسم تجسد التناقضات في سياسة ترامب الخارجية، والتي تهدد القيم الدستورية، وتعزز الاستبداديين، وترفض الحلفاء، وتقوض المؤسسات والأنظمة العالمية التي حافظت على السلام لعقود. وذكّرت بأن ترامب هدد بقصف أهداف برية في فنزويلا ووصف المهاجرين الصوماليين بـ"القمامة".
الأستاذ نبيل الخوري من جامعتي الحكمة والجامعة اللبنانية، يرى أن واشنطن تتبنى نهجاً أكثر تصادمية في فنزويلا لأنها تقع في "حديقتها الخلفية"، وتسعى للتخلص من نظام تعتبره "مشاغباً وغير مطيع". ويضيف أن تحقيق مكاسب في فنزويلا سيعزز نفوذ أميركا في المنطقة.
ويتابع الخوري أن الواقعيين في العلاقات الدولية يبررون هذه السياسات بحجة أن أي دولة عظمى لن تقبل بوجود تهديد أمني في جوارها. ويرى أن أميركا تسعى لضبط إيقاع الصراعات العالمية بما يخدم مصالحها، خاصة في "حديقتها الخلفية".
الاتفاق بين رواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية يهدف إلى إنهاء حرب أودت بحياة الكثيرين في وسط أفريقيا، وهي واحدة من ثمانية صراعات يقول ترامب إنه حلها خلال فترة رئاسته.
"سي إن إن" أقرت بأن ترامب لعب دوراً حاسماً في بعض الصراعات، مثل غزة، لكنها ترى أنه يبالغ في دوره في إخماد القتال في أماكن أخرى. وترى الشبكة أنه في بعض الحالات، قدم ترامب مساهمات مهمة واستخدم القوة الأميركية بذكاء وأنقذ أرواحاً. كما يمتلك قدرة على تبسيط الحقائق بلغة واضحة.
لكن جهوده المتعددة لتحقيق السلام لا تنجح جميعها، وقد بدا مراراً أنه يحاول فرض سلام يصب في مصلحة المعتدي، أي روسيا، بدلاً من الطرف المعتدى عليه، أوكرانيا. وفي أحيان أخرى، بدا أنه يجهل القضايا التاريخية والوقائعية الرئيسية ويريد التوصل إلى اتفاق بأي ثمن.
الدكتور إياد سكرية، الأستاذ المحاضر في كلية الأركان في الجيش اللبناني والجامعة اللبنانية، يرى أنه من الخطأ تقديم توصيف نهائي لسياسة ترامب الإقليمية والدولية، فهو رجل أعمال يسعى لتحقيق نتائج ويضع مصلحة أميركا أولاً. ويضيف أن سياسته الخارجية تتحرك بين الحد الأدنى والحد الأقصى، فهو يفاوض العدو ويضغط على الصديق، وما يهمه هو النتيجة.
ويشير سكرية إلى أن السياسة الخارجية لترامب تركز على "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة، وهي جنوب أميركا، مع الحفاظ على مرونة معينة حسب الظروف. ويركز أيضاً على موضوع الشرق الأوسط. ويختتم بالقول إن سياسة ترامب مزيج بين المرونة والصرامة، ولا يمكن اختزالها في توصيف واحد.