الأربعاء, 26 نوفمبر 2025 07:41 AM

تكريم جبران خليل جبران في إيطاليا بنصب تذكاري يخلد دوره الإنساني خلال مجاعة لبنان

تكريم جبران خليل جبران في إيطاليا بنصب تذكاري يخلد دوره الإنساني خلال مجاعة لبنان

هنري زغيب

تتواصل ولادة جبران يومًا بعد يوم، في احتفالات متتالية، وفي بلدان مختلفة. هذه المرة، يطل جبران من إيطاليا، إحياءً لنشاطه في نيويورك خلال المجاعة الكبرى التي ألمت بلبنان في الحرب العالمية الأولى.

في يوم الجمعة الموافق 21 من الشهر الجاري، أقيم احتفال في مدينة أغريجنتو السياحية الإيطالية الشهيرة في صقلية، أكبر جزيرة في المتوسط. تشتهر المدينة بـ "وادي المعابد" الذي يقع وسط واحة أثرية اعتمدتها منظمة اليونسكو في كانون الأول/ديسمبر 1997 ضمن "لائحة المواقع الأثرية في العالم". يضم الوادي، عند تلته العليا، سبعة معابد وهياكل إغريقية قديمة تحافظ عليها الدولة بشكل ممتاز، وتطل على بعد نحو 6 كيلومترات على شاطئ البحر المتوسط.

الحدث هو احتفال بـ "أبرار الإنسانية"، نظمته "أكاديميا الدراسات المتوسطية" داخل "حديقة الأبرار" في مدينة أغريجنتو، برعاية "الدائرة الإقليمية للتراث الثقافي والهوية الصقلية"، وبالتعاون مع بلدية أغريجنتو.

"حديقة الأبرار" هي نوع من "بانتيون الخير". تم افتتاحها قبل عشر سنوات بالقرب من "الدرب المقدسة" المؤدية إلى "وادي المعابد". تهدف هذه المبادرة إلى مساعدة الطلاب أولاً، كما أوصت الكاتبة أسونتا غالو أفيليتو، الرئيسة المؤسسة لـ "أكاديميا الدراسات المتوسطية"، وهي إحدى أبرز الشخصيات في أوساط أغريجنتو الثقافية (توفيت في 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي).

الهدف من هذا الاحتفال السنوي هو استذكار أفراد أثبتوا جدارتهم في الحفاظ على القيم الإنسانية في بلدانهم عند مفارق مفصلية شهدت حوادث جماعية كارثية، أو محاكمات فردية أو جماعية جائرة.

اختارت اللجنة العلمية في "أكاديميا الدراسات المتوسطية" ثمانية أعلام أقامت لهم أنصابًا/شواهد في "الحديقة"، دخلوا التاريخ بظروف مختلفة، ولكنها تصب جميعها في سبيل الخير العام، والسعي إلى السلام والحرية والعدالة والتضامن. هؤلاء الثمانية هم: جبران خليل جبران، الأسقف الأرمني سيريل زهرابيان، الطالب دانيال كاريون (من البيرو)، القبطان روبرتو لوردي، وأربعة عمال إطفاء استشهدوا أثناء المقاومة في بانيارا.

سبق رفع الستارة عن الأنصاب ندوة منبرية في قاعة "سان فيليبو". افتتحها الأسقف إنريكو دل كوفولو (الرئيس السابق لجامعة لاتران الحبرية في روما)، وتوالى على المنبر ترحيبًا: رئيس بلدية أغريجنتو فرنشسكو ميشيكِّيه، والأسقف ألسندرو داميانو، ورئيس بلدية باليرمو روبرتو لاغالَّا (وهو عضو فخري في "الأكاديميا")، وألبرتو بيتيكس (مدير الإدارة في بلدية أغريجنتو)، ومدير الحديقة روبرتو شاراتَّا، وأدار الندوة الحوارية جيوزيبي باريلُّو.

تحدث القنصل بياترو كوشيوكيان عن الأسقف الكبوشي الأرمني سيريل زهرابيان، الذي أنقذ مئات الأشخاص إبان حرب إبادة الأرمن، وبعدها أنشأ مياتم ومدارس وكنائس.

قرأ فرنْشِسْكو ميديتْشي (عضو "الجمعية الدولية لدراسة حياة خليل جبران وأعماله") نصوصًا غير معروفة لجبران، كان كتبها إبان المجاعة الكبرى في لبنان، وكان لكتاباته ونشاطه الاجتماعي تأثير إيجابي في المساعدة على التخفيف من كارثة تلك المجاعة الرهيبة.

تحدث الأب ألسَّاندرو أندرِيـــيني (أستاذ في جامعة غونذاكا – فلورنسا) عن القبطان روبرتو لوردي، من سلاح الطيران الحربي الإيطالي، الذي انضم إلى المقاومة بعد 8 أيلول/سبتمبر 1943. أعدمه النازيون مع 335 شخصًا في مجزرة 24 آذار/مارس 1944 ودفنوهم جماعيًا في حُفَر مدينة آرديا (35 كلم جنوبي روما).

تحدث كالوغيرو باربرا (القائد الإقليمي لفوج رجال الإطفاء في أغريجِنتو) عن شهداء فوج الإطفاء الأربعة: دومينيكو أغَدْزي، غويدو أَدْزالي، وأُدواردو تشيراني، ولويجي روزينِنْتي، الذين ساندوا المقاومة وسقطوا في مدينة بانيارا قرب كريمونا سنة 1945.

تحدث الكاتب ماركو رونكالِّي (العضو الفخري في "الأكاديميا" وحفيد أحد أنسباء البابا يوحنا الثالث=أنجلو جيوزيبي رونكالّي) عن وصية دانيال كارِّيون، بطل البيرو الوطني، وهو طالب طب توفي بعدما صارع ببطولة فائقة مرضًا غريبًا في بلاده، رضي إراديًا أن يصاب به كي يدرسه ويحلله، فتوفي ضحية إرادته على التضحية بحياته من أجل دراسة المرض وتحليله.

بعد الاحتفال المنبري، انتقل الجميع إلى "حديقة الأبرار" لرفع الستارة عن الأنصاب.

نصب جبران: إذا كانت لا تهمنا هنا النصوص المحفورة على الأنصاب، فما يهمنا هنا هو نصب جبران. رفع عنه الستارة الباحث الجبراني المدقق فرنْشِسْكو ميديتْشي. والنص المحفور عليه هو: "خليل جبران (1883-1931). شاعر ورسام لبناني. هاجر إلى الولايات المتحدة وهو في الثانية عشرة، واستقر لاحقًا في نيويورك. خلال المجاعة الكبرى التي اجتاحت بلاده (1915-1918) في الحرب العالمية الأولى أيام كانت بلاده تحت نير الباب العالي (السلطنة العثمانية)، انضم إلى "لجنة غوث سورية وجبل لبنان". وبصفته أمين سرها، ألح على وزارة الخارجية الأميركية أن تتدخل، وألا تفوت جهدًا في توعية الرأي العام، وتعمل على إرسال المساعدات إلى المنكوبين. وعلى الرغم من تلقيه تهديدات تركية بالموت، اتهم عاليًا السلطنة العثمانية بتعميق العذاب، وإطالة أزمة الجوع بين الأهالي. وهو كان، في كتاباته وفنه ونشاطه السياسي والاجتماعي، صوت الضعفاء والمقهورين. دافع عن الكرامة الإنسانية بمعزل عن العرق والدين، فكان جسرًا بين الشرق والغرب باسم الحب والأخوة الكونية الشاملة. ومن هنا قوله الشهير: "الأرض كلها بيتي، وجميع الناس مواطني فيها"…".

المقال المقبل: جزء أول من مداخلة فرنْشِسْكو ميديتْشي عن جبران والمجاعة في لبنان

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: