الأربعاء, 7 مايو 2025 01:16 AM

تلوث وأزمة صحية في الرقة: معصرة زيتون تحوّل حياة قرية ميسلون إلى جحيم

تلوث وأزمة صحية في الرقة: معصرة زيتون تحوّل حياة قرية ميسلون إلى جحيم

يعاني سكان قرية ميسلون في ريف الرقة الشمالي أزمة بيئية متفاقمة، بفعل الروائح الكريهة المنبعثة من معصرة زيتون تقع بمحاذاة القرية. ومنذ سنوات، تحوّل وجود هذه المنشأة من عامل اقتصادي محلي إلى مصدر إزعاج دائم، في ظل غياب أي معالجات حقيقية أو حلول ملموسة من قبل الجهات المسؤولة، ما جعل حياة السكان، لا سيما في فصل الصيف، أكثر صعوبة وإرباكًا.

مخلفات زيتون مكشوفة ورائحة تخنق الأهالي

تعود جذور المشكلة إلى طريقة عمل المعصرة، التي تقوم بتصريف المياه الناتجة عن عمليات العصر إلى حفر سطحية مفتوحة، بالإضافة إلى تكديس مخلفات الزيتون – المعروفة باسم “البيرين” – في مساحات مكشوفة مجاورة للمعصرة، بهدف تجفيفها وبيعها لاحقًا لمعامل تصنيع الحطب. إلا أن هذا التخزين العشوائي يؤدي إلى تحلّل تلك النفايات وخضوعها لعمليات تخمير، ما يتسبب بانبعاث روائح نفاذة تؤثر سلبًا على جودة الهواء وصحة السكان. ويؤكد عدد من الأهالي أن الروائح تصبح لا تُحتمل في أشهر الصيف، حين يضطر الناس لقضاء أوقات أطول في الأفنية بسبب ارتفاع درجات الحرارة. كما أن كثيرًا من الأهالي، خصوصًا الأطفال وكبار السن، بدأوا يعانون أعراضًا تنفسية وتهيجات عينية، تُعزى بحسب السكان إلى التعرض المتكرر لهذه الروائح.

مطالبات مستمرة واستجابات غائبة

مصطفى الصالح (35 عامًا)، من سكان قرية ميسلون، يقول في حديثه: “منذ سنوات ونحن نعاني من هذه المعصرة، قدمنا عشرات الشكاوى للجهات المعنية، لكن دون أي إجراء حقيقي. نطالب فقط بحل بسيط: إما تنظيم عمل المعصرة أو نقلها إلى منطقة صناعية بعيدة عن السكان”. ويضيف: “في فصل الشتاء قد نستطيع التكيف لأننا نقضي معظم وقتنا داخل المنازل، لكن في الصيف نعيش الكابوس يوميًا. أحيانًا نضطر إلى إغلاق النوافذ حتى في أكثر الأوقات حرارة”. خالد العاصي (55 عامًا)، من سكان قرية الكدرو المجاورة، يروي أن المعصرة لم تكن تسبب مشاكل تُذكر حين بدأت عملها قبل أكثر من عقد. ويوضح: “في السنوات الأولى كان يتم التخلص من النفايات بسرعة، لكن خلال السنوات الأربع الماضية تغيّر الوضع، فبدأ التخزين المكشوف دون معالجة، وتحوّلت المنطقة إلى مكب نفايات يهدد السكان والبيئة على حد سواء”.

تحرك رسمي خجول وتحذيرات بفرض عقوبات

في المقابل، أكد مصدر مسؤول في قسم البيئة التابع للإدارة المحلية في الرقة، في تصريح خاص، أن المكتب تلقى بالفعل عدة شكاوى من سكان المنطقة، وقام بإرسال لجنة للكشف على الموقع. وتبيّن وجود كميات كبيرة من البيرين مكشوفة بجوار المعصرة، ما يشكل مخالفة للمعايير البيئية المعتمدة. وأوضح المصدر أن مالك المعصرة تلقى إنذارًا رسميًا لإزالة المخلفات فورًا، وتم إعلامه بأنه في حال تكرار المخالفة، سيتم فرض غرامات مالية مشددة، قد تصل إلى إيقاف المعصرة عن العمل بشكل نهائي.

حلول غائبة وسكان في مواجهة الخطر

يطالب السكان اليوم بخطة شاملة تتضمن نقل المنشآت الصناعية التي تسبب ضررًا بيئيًا من المناطق السكنية، وتطبيق نظام رقابة صارم على كيفية إدارة المخلفات، خصوصًا تلك الناتجة عن عصر الزيتون، لما لها من تأثير طويل الأمد على البيئة والصحة العامة. كما يدعو الأهالي إلى بناء محطات معالجة خاصة بمخلفات المعاصر، وتشجيع أصحاب هذه المنشآت على تبني أساليب أكثر تطورًا وصديقة للبيئة في التخلص من النفايات، بعيدًا عن الأساليب التقليدية التي لم تعد مناسبة للتوسع السكاني والعمراني الذي تشهده المنطقة.

واقع مستمر بانتظار تدخل فاعل

رغم التحذيرات والوعود، ما يزال سكان قرية ميسلون والقرى المجاورة يعيشون تحت وطأة روائح خانقة وأضرار بيئية متزايدة، في ظل غياب خطوات حقيقية على الأرض. وبين مطالب الأهالي وتحذيرات البيئة، يبقى واقع المعصرة شاهدًا على فجوة بين المعالجة الفعلية والاستجابة الإدارية، ما يجعل تدخل الجهات المعنية ضرورة ملحّة لا تحتمل المزيد من التأجيل.

مشاركة المقال: