رغم سنوات من النزوح والدمار، بدأ الأمل يتسلل مجددًا إلى بلدة دير جمال الواقعة شمال مدينة حلب، حيث تشهد عودة تدريجية للعائلات التي هجّرتها الحرب، وسط تحديات خدمية وإنسانية كبيرة. مجد عيس، أحد أبناء البلدة، يروي لـ”سوريا 24” قصة نزوحه الطويلة التي بدأت عام 2016 بعد تصاعد القصف على البلدة. يقول: “في البداية نزحت إلى كفر تعال، ثم انتقلت إلى إبين، وبعدها إلى بابكة نتيجة القصف، ثم إلى إسقاط بريف إدلب، ومن هناك إلى لسقيبن، قبل أن أستقر أخيرًا في عفرين حتى عام 2025”.
عيس عاد مؤخرًا إلى منزله المتضرر في دير جمال، والذي تعرض لقصف شديد وتعفيش كامل لمحتوياته، ورغم محدودية الإمكانيات، بدأ بترميم المنزل بجهد شخصي، مؤكدًا أن البنية التحتية ما تزال شبه منهارة. وأوضح أن المياه تصل إلى البلدة، وإن كانت بكميات قليلة، كما يتم ترحيل القمامة بانتظام، لكن الكهرباء منعدمة، ويعتمد السكان على الطاقة البديلة لتسيير حياتهم اليومية. وأضاف: “الأهم حاليًا هو تأمين فرص عمل وتحريك العجلة الاقتصادية. العائلات بحاجة ماسة إلى دخل لتأمين المستلزمات الأساسية”.
مجد كان يملك مكتبة صغيرة قبل أن تُنهب أثناء النزوح، ويرى في دعم المشاريع الصغيرة فرصة حقيقية للنهوض المحلي، مطالبًا المنظمات الإنسانية بالتدخل: “المشاريع الصغيرة تحسن من جودة الحياة، وأنا مستعد للعودة إلى العمل إذا توفر الدعم”.
بلدة دير جمال: ذاكرة السيطرة والعودة التدريجية
تقع بلدة دير جمال على الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بمدينة عفرين، وتبعد عنها نحو ثلاثين كيلومترًا. تتبع إداريًا لمجلس البلدة، ويشرف المجلس على خمس قرى مجاورة هي: تنب، كشتعار، عجار، كفر أنطون، ومراش. وكان عدد سكانها يُقدَّر بنحو 22 ألف نسمة حتى عام 2016.
شهدت البلدة تحولات ميدانية حاسمة خلال السنوات الماضية، إذ انسحبت منها فصائل المعارضة المسلحة في شباط 2016، لتدخلها وحدات حماية الشعب دون اشتباك. تلك الخطوة جاءت ضمن تفاهمات غير معلنة بين قوى الأمر الواقع في ريف حلب الشمالي، هدفت آنذاك إلى تجنيب المنطقة القصف الجوي ومحاولات التقدم من قبل قوات النظام وحلفائه. ورغم أن هذا الواقع فرض نوعًا من التهدئة المؤقتة، إلا أن دير جمال بقيت خارج دائرة الخدمات، وظلت في حالة من التهميش المتواصل.
وبعد سنوات من التهجير، بدأ عدد من العائلات بالعودة تدريجيًا إلى منازلهم، رغم افتقار البلدة لأبسط مقومات الحياة، ما يجعل عملية العودة محفوفة بالتحديات اليومية والمعيشية.
الخدمات الأساسية تعاني… والمجلس المحلي يعمل بإمكانات محدودة
قال محمد كنجو، رئيس مجلس بلدة دير جمال لـ”سوريا 24”، إن المجلس يشرف على إدارة الخدمات في البلدة وخمس قرى تابعة إداريًا لها، ويعمل ضمن إمكانات محدودة لتأمين مادة الخبز، وضخ مياه الشرب، وترحيل القمامة، فيما يعاني من نقص كبير في التمويل اللازم لتغطية نفقات التشغيل.
وأشار إلى أن الأفران في المنطقة تعمل بشكل يومي، وتغطي حاجة دير جمال والقرى المحيطة، بما فيها قرية أبين، وتقوم منظمة شفق بدعم 70% من تكلفة مادة الطحين، بينما يتكفل المجلس بنسبة 30% المتبقية. وتُباع ربطة الخبز التي تزن كيلوغرامًا بثلاثة آلاف ليرة سورية (نحو 8 ليرات تركية).
بالنسبة للمياه، أُعيد تشغيل محطات الضخ في ديسمبر الماضي عبر تبرعات شخصية من أبناء البلدة، إذ تحتاج المولدات لتشغيلها إلى أكثر من 200 لتر مازوت يوميًا، ما يمثل عبئًا كبيرًا في ظل ارتفاع أسعار الوقود.
التعليم قائم رغم التحديات… والكهرباء أبرز الاحتياجات
يوجد في البلدة خمس مدارس تعمل حاليًا، لكن العملية التعليمية تعاني من نقص حاد في الكوادر والوسائل التعليمية، بالإضافة إلى حاجة الأبنية المدرسية للترميم والصيانة.
كما أشار كنجو إلى أن من أهم الاحتياجات في الوقت الراهن تأهيل شبكة الكهرباء، ودعم عملية ضخ المياه، وتأهيل الطرقات، وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، بما يضمن استقرار السكان العائدين ويشجع المزيد من العائلات على العودة.