الخميس, 21 أغسطس 2025 04:14 AM

تونس تتنفس الصعداء: تحسن الإمدادات المائية يواجه مخاوف من المستقبل

تونس تتنفس الصعداء: تحسن الإمدادات المائية يواجه مخاوف من المستقبل

بعد سنوات من الجفاف، تشهد تونس تحسناً ملحوظاً في وضع الإمدادات المائية مع بداية صيف هذا العام، حيث ارتفعت نسب امتلاء السدود وتراجعت أزمة التزود بالمياه والانقطاعات المبرمجة.

وفقاً لأرقام الإدارة العامة للسدود والمنشآت المائية الكبرى، بلغ مخزون السدود في تونس بتاريخ 8 أغسطس/آب 2025 حوالي 777 مليون متر مكعب، بنسبة امتلاء تقدر بـ 32 بالمئة، مقارنة بـ 599 مليون متر مكعب في نفس التاريخ من العام الماضي، حيث كانت النسبة لا تتجاوز 25 بالمئة.

على الرغم من هذا التحسن، يرى خبراء أن أزمة المياه قد تستمر، خاصة في حال تأخر هطول الأمطار في الخريف وعدم اتخاذ إجراءات استراتيجية طويلة الأمد.

ويرى المسؤول السابق في قطاع المياه بوزارة الفلاحة، محمد صالح قلايد، أن الوضع لا يزال غير مريح على الرغم من التحسن، وأن هذا الصيف سيمر بسلام نسبي، لكن لا توجد ضمانات لهطول أمطار خريفية مبكرة.

وأضاف قلايد في حديثه للأناضول أن استخدام المياه الجوفية كان مفرطاً خلال الفترة الماضية، مما أدى إلى استنزاف كبير للموارد، ويزيد من احتمالية وقوع أزمة كبيرة في حال تأخر أمطار الخريف.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الكميات المستغلة من المياه الجوفية خلال عام 2023 بلغت حوالي 3.2 مليارات متر مكعب، بزيادة تقدر بـ 140 مليون متر مكعب مقارنة بسنة 2022.

وأشار قلايد إلى أن إجراءات التقنين التي أقرتها الحكومة في مارس/آذار 2023 لا تزال قائمة ولكنها غير مطبقة فعلياً، مما يعكس استسهالاً في التعامل مع الأزمة، مؤكداً أن هذا لا يلائم الظروف الحالية لأن الأزمة لا تزال مستمرة.

يذكر أن الحكومة التونسية أقرت في مارس 2023، وخلال سنة جافة صعبة جداً، قانوناً يقضي بتقسيط توزيع الماء الصالح للشراب ومنع عدة استعمالات للماء.

وأوضح قلايد أن العالم كله يعيش أزمة مياه والمشاكل بين الدول حول المياه مستمرة، وأن تونس ليست بعيدة عن هذا، مؤكداً أن المنسوب الحالي والموارد المتاحة لن تكفي للسنوات القادمة.

وأكد قلايد على ضرورة تحديث مجلة المياه وتحسين مردودية شبكات التوزيع، في ظل ضياع كبير للمياه وارتفاع في الطلب.

وحذر من أن المنشآت الحالية من خزانات وشبكات غير قادرة على تلبية الطلب، حتى وإن امتلأت السدود بالكامل، وأنه لا بد من مشاريع جديدة وتزويد الشبكات بآلات إحصاء ترصد المناطق الأعلى استهلاكاً للتحكم بشكل أفضل في الموارد.

وتعد مجلة المياه التي صدرت عام 1975، هي القانون الذي ينظم استغلال وتوزيع الموارد المائية في تونس.

وأوضح قلايد أن القطاع الفلاحي يستهلك نحو 78 بالمئة من الموارد المائية في البلاد، داعياً إلى تقليص هذه النسبة لتصل إلى 70 بالمئة على أقصى تقدير، مشيراً إلى أنه لا جدوى من مواصلة زراعة الطماطم للتصدير التي تستهلك كميات ضخمة من المياه.

من جانبه، قال الأكاديمي والباحث في التنمية والتصرف بالموارد، حسين الرحيلي، إن نسبة امتلاء السدود البالغة 32.5 بالمئة تعد جيدة مقارنة بالعام الماضي، لكنها لا تخفي هشاشة الوضع، خصوصاً أن نحو 2 مليون متر مكعب يتم ضخها يومياً من السدود.

وأضاف الرحيلي أن المرصد التونسي للمياه سجل خلال يوليو/تموز الماضي 604 حالات انقطاع لمياه الشرب، بمتوسط 20 بلاغاً يومياً، شملت ولايات جندوبة والقيروان والمنستير وصفاقس.

وحذر الرحيلي من أن الوضع هيكلي ولا يتعلق فقط بكميات الأمطار، مشيراً إلى أن طاقة استيعاب السدود في تونس تبلغ 2.3 مليار متر مكعب، فيما لا يتجاوز المخزون الحالي 700 مليون متر مكعب.

ودعا الرحيلي إلى فتح حوار مجتمعي واسع لتحديد السياسات العمومية الفعالة في إدارة المياه، مشيراً إلى أن توزيع ملف المياه بين أكثر من 20 وزارة وهيئة مختلفة يعرقل التنسيق.

وشدد على ضرورة تحديث مجلة المياه التي لم تعد تعبر عن الواقع الجديد أو تعكس التغيرات المناخية والسياسية والاقتصادية.

وقال الرحيلي إنه ينبغي إعادة تحديد التوجهات الزراعية، والتركيز على تحقيق السيادة الغذائية التي تمر عبر السيادة المائية.

وختم الرحيلي بالقول إن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر، والتغيرات المناخية، لا تزال بلا انعكاس فعلي في السياسات العمومية.

وفي 6 أغسطس الجاري، شدد كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلف بالموارد المائية، حمادي الحبيب، على ضرورة تضافر جهود كافة الجهات المعنية لتجاوز الصعوبات، وضمان تلبية حاجيات المواطنين والمزارعين.

مشاركة المقال: