في إطار ما يُعرف بـ"نظرية التمكين"، تتهم حركة "النهضة" بتعيين أنصارها في وظائف حكومية بعد تسلمها الحكم في تونس عام 2011، دون توفر الشروط المطلوبة أو باعتماد شهادات مزورة. ومنذ استبعادهم وحلفائهم من الحكم في عام 2021، تسعى السلطات التونسية لتفكيك ما تصفه بإرث الإسلاميين لاستعادة السيطرة على مفاصل الدولة.
ملف تطهير الإدارة يعتبر من الملفات الحساسة في سياق تصفية "تركة النهضة"، حيث يعتبره قطاع واسع من التونسيين "استحقاقاً وطنياً". وقد عاد الملف إلى الواجهة تحت أنظار البرلمان، حيث عقدت لجنة تنظيم الإدارة ومكافحة الفساد جلسة استماع لممثلين عن رئاسة الحكومة لمتابعة التدقيق الشامل في تعيينات وتوظيفات الإسلاميين وموالين لهم في مؤسسات الدولة بعد 2011.
ناقشت اللجنة ما تم إنجازه في عملية التدقيق التي صدر بشأنها قانون منذ عام 2023. وكشف ممثلو الحكومة عن تطورات التدقيق والصعوبات التي واجهت لجان التدقيق، التي يزيد عددها عن 26 لجنة تضم أكثر من 436 مراقباً وخبيراً. وأكدوا الانتهاء من التقرير الخاص بالتدقيق، مشيرين إلى أن الأرقام "كبيرة".
تسببت التعيينات، وفقاً لمصادر، في إغراق الإدارات التونسية بموظفين يفتقرون إلى الكفاءة، وإغلاق باب التوظيف أمام التونسيين. وساهم مرسوم "العفو التشريعي العام" في انتداب الآلاف من أنصار "النهضة" دون الالتزام بالقوانين، ما عزز سيطرتها على مفاصل الدولة.
بالإضافة إلى الكلفة المادية الكبيرة، قُدرت بمئات ملايين الدولارات، أدت التعيينات إلى تسخير مؤسسات الدولة لخدمة مصالح الحزب، وظهر جهاز أمني موازٍ داخل وزارة الداخلية، اتُّهم بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية عام 2013. وتنفي "النهضة" هذه التهم.
الرئيس قيس سعيد كان أول من دعا إلى فتح هذا الملف، وانطلقت عملية تدقيق واسعة لجميع الانتدابات بعد 2011. وتتضارب الأرقام حول عدد التعيينات حسب الولاءات، حيث يتحدث البعض عن مئات الآلاف من الأنصار. ووفقاً لتقرير "المرصد التونسي للاقتصاد" عام 2017، ارتفع عدد الانتدابات خلال الولاية الأولى لحزب النهضة إلى نحو 72 ألفاً. وارتفع عدد الموظفين في القطاع الحكومي من 217 ألفاً قبل 2011 إلى نحو 800 ألف موظف بعد 2011، مما أثر على أداء المؤسسات.
كشف الرئيس قيس سعيد عن وجود أكثر من 2700 عملية انتداب بناءً على شهادات مزورة.
يؤكد نواب أن ملف الانتدابات المشبوهة محل متابعة من الرئيس سعيد، وأن الجميع ينتظر إحالته إلى القضاء لمحاسبة المخالفين. ويعتبرون أن التدقيق في انتدابات "عشرية النهضة" هو تلبية لمطلب المحاسبة الشعبي، ويعزز الشفافية والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، ويغلق الباب أمام تسلق الوظائف بالولاءات.
ويشدد أعضاء اللجنة البرلمانية على المضي قدماً في هذا المسار، لأنه يبعث برسالة مهمة للرأي العام، ورادعة لكل من يفكر في تجاوز القانون مستقبلاً.