الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 12:21 PM

العراق على صفيح ساخن: جدل السلاح والسيادة يتصاعد مع اقتراب الانتخابات

العراق على صفيح ساخن: جدل السلاح والسيادة يتصاعد مع اقتراب الانتخابات

أثارت تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن حصر السلاح بيد الدولة وانسحاب التحالف الدولي بحلول عام 2026، نقاشًا واسعًا حول قضية سلاح الميليشيات في العراق. تعكس هذه التصريحات جهود الحكومة لتعزيز السيادة الوطنية في ظل توازنات دقيقة بين النفوذ الإيراني والوجود الأميركي، وذلك بالتزامن مع قرب الانتخابات.

أكد السوداني التزام العراق بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، مشيرًا إلى أن ذلك لن يتحقق بوجود التحالف بقيادة الولايات المتحدة، الذي تعتبره بعض الفصائل العراقية قوة احتلال. وأوضح أن هناك خطة قائمة لانسحاب التحالف الدولي من العراق، الحليف العربي المقرب من إيران، بحلول سبتمبر/أيلول 2026، نظرًا لتراجع خطر الجماعات الإسلامية المتشددة.

يخوض السوداني الانتخابات في منافسة مع أحزاب سياسية بارزة ضمن ائتلافه الحاكم في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.

يرى الدكتور إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تصريحات السوداني تحمل عدة دلالات، منها عدم رغبته في التخلي عن الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة التي شكلت حكومته، وإيمانه بأن العودة إلى رئاسة الوزراء تتطلب دعم الفاعل الشيعي، الإطار التنسيقي. كما يدرك أن إيران لا تزال مؤثرة وستلعب دورًا في المعادلة، ويسعى من خلال تصريحاته إلى عدم إغضابها. بالإضافة إلى ذلك، يحاول إظهار قدرته للولايات المتحدة على تحقيق شروط حصر السلاح بيد الدولة، ولكن وفق مسار جديد يفرضه هو.

يسعى العراق لإيجاد حل لمسألة حساسة سياسيًا، وهي نزع سلاح الجماعات المدعومة من إيران، في ظل ضغوط من الولايات المتحدة التي تطالب السوداني بتفكيك الجماعات المسلحة المرتبطة بالحشد الشعبي، وهي مؤسسة تضم فصائل شيعية أخرى وتعتبر جزءًا رسميًا من قوات الأمن العراقية.

في الوقت نفسه، اتفقت الولايات المتحدة والعراق على انسحاب تدريجي للقوات الأميركية، مع توقع انسحاب كامل بحلول نهاية العام المقبل، وقد بدأ بالفعل خفض أولي لعدد القوات هذا العام.

يشير الدكتور رعد هاشم، الباحث في الشأن العراقي، إلى أن تصريح السوداني استباقي ويهدف إلى منع استغلال الميليشيات لهذا الملف كورقة انتخابية أو اتهامه بالاستجابة للمطالب الأميركية والغربية بشأن نزع سلاح الجماعات المسلحة. ويرى أن السوداني يوجه رسالة ضمنية بأنه قريب من هذا التوجه أو لا يمانع في السير في مسار نزع السلاح بعد انسحاب قوات التحالف، وهو خطاب مشابه لخطاب الفصائل المسلحة التي ترفض التخلي عن سلاحها قبل مغادرة القوات الأميركية التي تعتبرها قوات احتلال. ومع ذلك، يؤكد السوداني أن القوات الأميركية المتبقية هي قوات استشارية وليست قوات احتلال، لكن تصريحه الأخير يحمل تطمينًا للفصائل المسلحة حتى لا تعرقل طموحه إلى تجديد ولاية ثانية في حال فوزه في الانتخابات.

يعتبر هاشم أن هذه الخطوة تكتيكية من السوداني لاحتواء هذه الجماعات، وإشارة إلى إيران بأن موقفه ليس بعيدًا عن رؤيتها، وأنه المرشح الأقرب إلى رؤية متوازنة بين الجانبين في حال حصول أي تفاهم أميركي إيراني.

وحول مدى توافق تصريحات السوداني مع الموقف الأميركي، يرى هاشم أنه ربما يحاول ترتيب أوراقه وفق ما يراه مناسبًا، لكن الثابت هو أن موعد انسحاب القوات الأميركية محدد لعام 2026 بموجب الاتفاقات القائمة. فالقوات الأميركية منسحبة عمليًا، والسؤال المطروح هو ما الذي يمنع السوداني من اتخاذ خطوة حسن نية عبر تقليص سلاح بعض الفصائل ولو بشكل محدود؟ مع ذلك، قد تصر الولايات المتحدة على أن يتم نزع السلاح أولاً ثم يكتمل الانسحاب، مما يعيدنا إلى جدلية متكررة يصعب الخروج منها بين الطرفين.

اكتسبت إيران نفوذًا واسعًا في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين في عام 2003، مما منح الجماعات المسلحة المدعومة من إيران نفوذًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا.

واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة تحديات كبيرة في الحفاظ على إيران والولايات المتحدة كحليفين لبغداد رغم عدائهما لبعضهما البعض. تفرض الولايات المتحدة عقوبات صارمة على إيران، بينما تربط العراق صلات تجارية قوية بطهران.

يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي فلاح المشعل إن الضغط الأميركي على السوداني لحل الفصائل المسلحة وتسليم سلاحها إلى الدولة وضعه في حرج شديد، فهو يصرح حينا بأهمية أن يكون السلاح تحت سيطرة الدولة وعدم السماح بغير ذلك، ويحاول حينا آخر إيجاد العذر لوجود سلاح الفصائل ويربط ذلك بوجود قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا. ويتساءل عن علاقة وجود الفصائل المسلحة بوجود قوات دولية جاءت بناء على طلب العراق إثر أحداث داعش.

ويضيف أنه جرى الاتفاق على مغادرة هذه القوات نهائيًا في العام المقبل، وهي قوات حماية للعراق في أصل وجودها. لكن السوداني يحاول الإمساك بالعصا من الوسط حتى إنجاز الانتخابات النيابية التي يتطلع من خلالها للحصول على دورة رئاسية ثانية، وهو ما لا يمكن أن يتم دون موافقة الفصائل التي تعكس موافقة إيران، التي لا تزال اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي العراقي.

في خضم الجدل الدائر حول مستقبل السلاح والوجود الأجنبي في العراق، تبدو تصريحات السوداني محاولة للتوازن بين الضغوط الداخلية والخارجية. ومع اقتراب الانتخابات، يتوقف مصير مشروعه السياسي على قدرته على كسب ثقة الشارع العراقي وإدارة التناقضات بين واشنطن وطهران.

مشاركة المقال: