الخميس, 25 سبتمبر 2025 07:19 PM

حمص: جدل واسع حول قرار فصل الطلاب والطالبات في المدارس الابتدائية وتراجع عنه

حمص: جدل واسع حول قرار فصل الطلاب والطالبات في المدارس الابتدائية وتراجع عنه

أثارت أخبار انتشرت عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول قرار بفصل الذكور عن الإناث في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية في مدينة حمص جدلاً واسعاً وتساؤلات بين الأهالي والمهتمين بالشأن التربوي، وذلك بسبب تضارب الأنباء المتداولة مع التصريحات الرسمية.

نفي مديرية التربية والتعليم:

سارعت مديرية التربية والتعليم في حمص إلى نفي هذه الأخبار بشكل قاطع، مؤكدة عدم صدور أي قرار رسمي بهذا الشأن من قبلها أو من وزارة التربية. ودعت المديرية المواطنين ووسائل الإعلام إلى تحري الدقة في نشر الأخبار المتعلقة بالعملية التعليمية والاعتماد على المصادر الرسمية فقط لتجنب انتشار الشائعات وإثارة القلق.

الواقع الميداني:

على الرغم من النفي الرسمي، أفادت شهادات من بعض الأهالي والمديرين والمعلمين بوصول تعليمات "غير مكتوبة" إلى عدد من المدارس عبر مجموعات واتسآب أو صفحات فيسبوك مرتبطة بمديرية التربية، تفيد بتطبيق الفصل بين الذكور والإناث. وقد تم تطبيق هذا الفصل فعلياً في مدارس مثل: "عكرم المخزومي"، "علي بن أبي طالب"، "يعرب العبدالله"، "حطين"، "رقية"، و"البحتري"، بالإضافة إلى مدارس في تير معلة والمشرفة وقطينة. حتى ثانوية المتفوقين، المعروفة تاريخياً باختلاط طلابها، شهدت تطبيق هذا الفصل، بينما بقيت بعض المدارس الأخرى في تلبيسة وبعض المدارس الخاصة في حمص مختلطة، مما يدل على غياب قرار واضح وموحد.

التراجع عن القرار:

أوضحت مديرة إحدى المدارس أن التعليمات التي وردتهم كانت تقضي بفرز الطلاب حسب الترتيب الأبجدي، بحيث يكون هناك شعب للذكور فقط وأخرى للإناث، بالإضافة إلى شعب مختلطة. وقد أعطى هذا انطباعاً بوجود قرار رسمي بالفصل، على الرغم من عدم صدور أي تعميم واضح من الوزارة. ومع تزايد الجدل والضغط المجتمعي، تم تعديل التعليمات، وصدر تعميم جديد يتيح للمدارس توزيع الطلاب ذكوراً وإناثاً معاً حسب الترتيب الأبجدي، مع ترك حرية الفصل للمدير والموجه التربوي إذا اتفقا على ذلك. وفي بعض القرى مثل المشرفة، تراجعت المدارس عن قرارات مماثلة بعد نشرها بساعات قليلة على صفحاتها الرسمية.

تساؤلات:

تثير هذه التطورات تساؤلات مهمة حول سبب اتخاذ مثل هذه القرارات الحساسة بصيغة "تعليمات شفهية" دون تعميم رسمي واضح، ومدى تأثير الضغط المجتمعي والإعلامي في تعديل القرارات أو التراجع عنها. وهل يعكس هذا التخبط غياب رؤية تربوية موحدة، أم أنه محاولة لجس نبض المجتمع قبل فرض توجهات معينة؟

يرى خبراء تربويون أن قضية فصل الذكور عن الإناث في المراحل التعليمية المبكرة ليست مجرد مسألة إدارية، بل ترتبط بفلسفة التعليم، وبمدى رغبة النظام التعليمي في تبني قيم الانفتاح والمساواة أو العودة إلى أنماط أكثر تقليدية. وما حدث في حمص يظهر أن المجتمع المحلي أصبح طرفاً مؤثراً في صناعة القرار، وأن الشفافية ومشاركة الأهالي في القرارات التربوية قد تكون الطريق الأمثل لتفادي الأزمات المستقبلية.

ويعكس ما حدث في حمص غياب استراتيجية تربوية واضحة المعالم. فالتعليم لا يجب أن يكون ساحة لتجارب مرتجلة أو استجابة آنية للضغوط الاجتماعية، بل رؤية بعيدة المدى تُبنى على دراسات علمية ونقاشات مجتمعية واسعة. إن هذا التخبط يكشف أن السياسة التعليمية تُدار أحياناً كأداة سياسية أكثر من كونها مشروعاً لبناء الإنسان. وفي مجتمع يطمح للانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية والانفتاح، فإن الشفافية وإشراك الأهالي والخبراء في صياغة القرارات التربوية أمر لا غنى عنه. زمان الوصل

مشاركة المقال: