الثلاثاء, 25 نوفمبر 2025 04:31 PM

حمص على صفيح ساخن: جريمة زيدل تهدد الأمن والاستقرار واختبار صعب لدمشق

حمص على صفيح ساخن: جريمة زيدل تهدد الأمن والاستقرار واختبار صعب لدمشق

في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة، تجد مدينة حمص نفسها مرة أخرى في بؤرة الأحداث. فجريمة قتل مروعة هزت بلدة زيدل جنوب المدينة، حيث عُثر على زوجين من قبيلة بني خالد مقتولين داخل منزلهما، وكُتبت على الجدران عبارات طائفية بدمائهما. هذه الواقعة أشعلت فتيل التوتر العشائري والأمني في المنطقة، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة.

في غضون ساعات قليلة، تحولت الصدمة إلى تحرك مسلح، حيث توجهت مجموعات من أبناء القبيلة نحو أحياء ذات أغلبية علوية في حمص، وأُطلقت النيران، وأُحرقت السيارات والممتلكات، وسط تضارب الأنباء حول ما يحدث. تدخلت القوى الأمنية وفرضت حظر تجوال واسع النطاق، وعلّقت الدوام المدرسي، في محاولة لتهدئة الأوضاع ومنع انزلاق المدينة إلى مواجهة مفتوحة.

مع انتشار القوى الأمنية في محيط زيدل، وفرض حظر التجوال في أحياء حمص، اتضح أن الجريمة لم تكن مجرد حادث جنائي معزول، بل مست نقطة حساسة في المشهد السوري. فحمص، بتنوعها الطائفي والعشائري، تمثل منطقة قابلة للاشتعال في أي لحظة، خاصة بعد سنوات الحرب التي خلّفت وراءها تهجيراً واسعاً وذاكرة مليئة بالانتقام. هذا التنوع، الذي كان يوماً مصدر قوة اجتماعية، تحول بفعل التراكمات إلى نقطة ضعف دائمة، تجعل أي حادثة قابلة للتحول إلى أزمة وطنية.

حاولت السلطة السورية السيطرة على الموقف سريعاً. فنفت وزارة الداخلية وجود أي دليل على الطابع الطائفي للجريمة، واعتبرت أن العبارات كُتبت "للتضليل"، مؤكدة أن التحقيقات مستمرة وأنه من السابق لأوانه تحديد خلفيات ما حدث. في المقابل، تعامل الشارع مع الحادثة على أنها صدمة مضاعفة: جريمة قتل بشعة في بلدة صغيرة، ورد فعل مسلح يقترب من الفتنة.

على الرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته بعض الأحياء ليلاً، قررت السلطات تمديد حظر التجوال حتى عصر الإثنين في عدد من أحياء حمص الجنوبية. هذا التمديد يعكس أن الإجراءات لم تكن شكلية، وأن التوترات الداخلية أعمق مما ظهر في الساعات الأولى، وأن الوضع يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد لاحتوائه.

في الوقت نفسه، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات متبادلة زادت من التوتر بدلاً من تهدئته، حيث بالغ البعض في تصوير ما حدث على أنه اعتداء طائفي واسع النطاق، بينما قلل البعض الآخر من خطورة الحادثة. ووجد المدنيون أنفسهم محاصرين بين روايات متناقضة تزيد من خوفهم وتضعهم في قلب أزمة لا يملكون السيطرة عليها.

سُجلت إصابات بين المدنيين وعنصر أمن واحد على الأقل نتيجة لهذه الأحداث. وطالب المجلس الإسلامي العلوي الأعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتدخل الفوري وتشكيل لجنة تحقيق دولية، محذراً من أن أبناء الطائفة العلوية يعيشون منذ عام تحت خطر دائم.

وسط هذا المشهد، برزت العشائر كفاعل لا يمكن تجاهله. فقد دان بيان صادر عن بني خالد الجريمة، ودعا إلى ضبط النفس. لكن التحركات العشائرية تبقى سلاحاً ذا حدين، فهي قادرة على مساندة السلطة في ضبط الأمن، ولكنها في لحظة الغضب تتحول إلى قوة مستقلة أسرع من أي قرار رسمي، كما حدث في السويداء حين تحولت الهبة إلى مواجهة مفتوحة وُصفت بأنها "فخ". وفي زيدل وحمص اليوم، تبدو المعادلة نفسها ماثلة، فما يبدأ كاستنفار انفعالي "لغسل العار" أو "أخذ الحق" يمكن أن ينتهي بفتح جبهة جديدة لا أحد يعرف كيف تُغلَق، ولا أين تتوقف تداعياتها جغرافياً وطائفياً.

على صعيد آخر، أعلنت الأمم المتحدة أنها تراقب الوضع في حمص. وأكدت نائبة المبعوث الأممي نجاة رشدي أنها تتابع "عن كثب" التطورات المقلقة، مشددة على الحاجة الملحة لإعادة الهدوء وضمان حماية المدنيين واحترام سيادة القانون ومحاسبة المسؤولين عن أعمال العنف. جاء هذا الموقف بعد صدور القرار 2799 الذي أزال اسمَي الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، واضعاً على عاتق السلطات السورية التزامات واضحة في حماية الأقليات وإثبات قدرتها على منع الانزلاق مجدداً إلى العنف الطائفي.

لكن خلفية المشهد لا تقتصر على الداخل. فالعوامل الإقليمية تتحرك في اتجاهات متقاطعة: تجميد مفاوضات الاتفاق الأمني مع إسرائيل، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه منع تركيا من التمركز في وسط وجنوبي سوريا، وتصاعد الضغط على "حزب الله،" وتزايد الحديث في واشنطن عن تخفيف أو إلغاء قانون قيصر؛ كلها عناصر تجعل الأرض السورية، ووسطها على وجه الخصوص، ساحة جذابة لمن يريد خلط الأوراق أو تعطيل المسارات السياسية والاقتصادية. في هذا السياق، تبدو جريمة محلية في بلدة مثل زيدل فرصة ذهبية لمن يسعى إلى اختبار قدرة الدولة الجديدة على السيطرة، أو لتوجيه رسالة مفادها أن الداخل لا يزال هشاً بما يكفي لإفشال أي مشروع استقرار.

هكذا، تبدو حمص اليوم أكثر من مجرد مدينة، إنها ميزان حساس يختبر قدرة السوريين على العبور من منطق الحرب إلى منطق الدولة. نجاح السلطة في احتواء التوتر وتفكيك آليات التحريض وتجفيف منابع الهبّات العشائرية غير المنضبطة سيُقدَّم كدليل على إمكانية إعادة بناء الثقة، أما انفجار خطوط الصدع الكامنة فسيعيد فتح أبواب الحرب، ويمنح خصوم الداخل والخارج ذريعة جديدة لتعطيل أي مسار نحو التعافي الوطني.

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: